
يأتي الصيام ليذكر المسلم بما ينبغي أن يكون عليه في حياته، من التوازن بين أشواق الروح ومتطلبات الجسد؛ بحيث لا يطغى الإنسان في تلبيه حاجات أحدهما، على الآخر.
وشهر رمضان يغرس في المسلم هذا السلوك بطريقة عملية؛ إذ يمتنع فيه المسلم عن شهوتي البطن والفرج لساعات حتى يزكي روحه وقلبه ثم يلبي حاجة الجسد مع غروب الشمس.. حتى إنه جاء في السنة النهي عن الوصال في الصيام؛ أي ألا يفطر الإنسان عند الغروب، ويستمر صائمًا بالليل حتى يصله باليوم الثاني؛ ففي صحيح مسلم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْوِصَالِ. قَالُوا إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: ” إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ؛ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى “.
فليس الصيام حرمانا للجسد من حقوقه، ومن الضرورات التي تقوم بها حياته؛ إنما هو تذكير للمسلم بأن غايته لا يجوز أن تنحصر في متطلبات مادته، وبأن لروحه حقوقا لا تقل أهمية عن حقوق جسده، بل تعلوها؛ إذ الإنسان من غير تحقيق الجانب الروحي فيه- بالعبادة والتقوى وصالح الأعمال- ينحط إلى دركات سفلى، ويفقد ما ميزه الله به عن سائر المخلوقات.
وهذا التوازن الذي يقرره الإسلام بين الروح والجسد، هو ميزة كبرى من مميزات الإسلام، أكدها في الكثير من آياته وتوجيهاته وتشريعاته، بمثل قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص: 77).