
انتهت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة باكتساح “تاريخي” للحزب العتيد لمقاعد 31 ولاية تحت قيادة منسق الحزب معاذ بوشارب كأول اختبار لهذا “الشاب” على رأس أكبر حزب لا يمثل القوة السياسية الضاربة في الجزائر فحسب وإنما كقوة سياسية “إقليمية” لم يتوانى من سبقوا بوشارب في تبوأ مراكز قيادة الحزب وصفه بمرادف “الدولة”.
اكتساح مجلس الأمة وبشكل لم تعهده النتائج منذ إنشاء هذه الهيئة قبل عقدين لم يكن برأي متابعين سوى بداية “اختبار” لمنسق الحزب ورئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب وأن قيادته للحزب العتيد في تحقيق نتائجه الباهرة في السينا ستنكشف حقيقتها أمام قيادة الحزب إلى انعقاد المؤتمر الاستثنائي بما يشكله من مهمة ثقيلة وحتى “مهمة مستحيلة” بحسب متابعين للوضع السياسي للبلاد، ولمسار الحزب العتيد في السنوات الأخيرة نتيجة “الأضداد” التي بات يحتويها حزب السلطة أو الحزب الدولة على حد وصف الأمين العام المقال جمال ولد عباس.
تتجه أنظار قيادات ومناضلي حزب جبهة التحرير الوطني ومن ورائهم متابعون وملاحظون، إلى إعلان منسق الحزب معاذ بوشارب، عن تاريخ انعقاد المؤتمر الاستثنائي، المزمع تنظيمه الأشهر القليلة المقبلة، وهو الموعد الذي يكتسي أهمية كبيرة بالنظر إلى مستوى التمزق الذي أصبح يعاني منه الحزب العتيد، وكذا ارتباط مستجداته مع الموعد الانتخابي الرئاسي، ما يمثل “مهمة مستحيلة لقيادته الحالية بسبب الصعوبات التي تحول دون جمع أبناء بيت العتيد تحت سقف واحد.
“فرحة” القيادة الجديد بالانتصار في موقعة السينا و”الاطمئنان” على تمكين الحزب من تحكيم قبضته داخل مجلس الأمة لن تدوم طويلا بسبب دخول حزب جبهة التحرير الوطني مرحلة “مفصلية” في مساره، تتمثل في عقد المؤتمر الاستثنائي وسط تجاذبات من مختلف الأطراف التي تتنازع على مختلف المسؤوليات في الأفلان، حيث يظهر من خلال المشهد أن بوشارب وجد صعوبة في إقناع جميع الأطراف للجلوس على طاولة واحدة، بدليل توقف جلسات اللقاءات التي شرع فيها قبل أسابيع وانتهت إلى مجرد “تجميع” آراء بدلا من جمع توجهات .
وبحسابات بسيطة يمكن القول أن المؤتمر سيكون انعقاده بعد الانتخابات الرئاسية، نظرا لعدم استكمال اللقاءات التشاورية التي شرع فيها منسق الحزب، زيادة على أن عملية تنظيم المؤتمرات الجهوية لانتقاء مندوبين عن مختلف المحافظات ستأخذ وقتا طويلا، وتتطلب تأطيرا كبيرا، ناهيك عن اقتراب موعد استدعاء الهيئة الناخبة للرئاسيات، ما يجعل القواعد منشغلة بجمع التوقيعات لمرشح الحزب والدخول بعدها مباشرة أجواء الحملة الانتخابية .
وما يصعب من مهمة بوشارب في حلحلة الخلافات هو تمسك كل طرف بمواقفه السابقة دون إبداء أي نوع من الليونة، مما يجعل نجاح العملية رهينة للحسابات السابقة بين مختلف القيادات على المستويين المحلي والوطني، خاصة في ظل وجود انشطار في قيادة الحزب، إذ التف حول كل أمين عام مرّ على قيادة الحزب العديد من الإطارات، وهو ما يعتبر حائلا وراء تحقي أي إصلاح أو إبداء لنوايا “التصالح” داخل بيت القوة السياسية الأولى في البلاد.
وكانت الخرجة التي ظهر بها عبد العزيز بلخادم خلال لقائه بمعاذ بوشارب، وما صاحبها من تهويل إعلامي وحشد من طرف أنصاره لملء مقر الجهاز المركزي بحيدرة، وحديث بلخادم عن “أولوية التطهير” داخل الحزب قد تركت انطباعا حول مسار الإصلاح الذي سيأخذ منعرجا آخرا، ما دام الأمناء العامين السابقين ما زالوا يحرصون على نفس الممارسات السابقة، بعيدا عن الحوار الهادئ والهادف إلى تشخيص الوضع والخروج بحلول عملية .
ولا يختلف الأمر بالنسبة للامين العام الأسبق عمار سعداني، الذي ألقى بـ “دعوة” معاذ بوشارب في سلة المهملات ورفض كليا تلبيتها، والمشاركة في لم صفوف الحزب، وهي رسالة بعث بها سعداني إلى أنصاره من اجل التنحي جانبا والعزوف عن المشاركة في هذه العملية المهمة حتى وإن جاءت تحت رعاية رئيس الحزب، رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة.
ويرشح متابعون أن صعوبة جمع فرقاء الأفلان قد تدفع بمنسق الحزب الذهاب إلى عقد المؤتمر الاستثنائي بعد رئاسيات الربيع القادم بغرض التفرغ لهذا الموعد ودعم مرشح الحزب الذي سيحاول بوشارب على قلة حنكته السياسية أن يجعل من موعد الرئاسيات فرصة إضافية لـ “لملمة” باقي أجزاء البيت الأفلاني المتصدع وهو الطرح الذي يدعمه رئيس القيادة القطرية عبد الرحمان بلعياط بالإضافة إلى أجنحة أخرى توصف بـ “اللينة” في الحزب قبل الوصول إلى تاريخ المؤتمر الذي قد ينهي صراعات الجبهة أو يدفع بها للاشتعال عاليا.
عبد الرحمان شايبي