ثقافة

بوابة الذكاء للكاتبة فوزية حمدون

قراءة نقديّة في قصّة (الأطفال):

بقلم عبد الله لالي

الحلقة الأولى (01):

في مهرجان ورقلة للكتاب والأدب والشعر كان من حظي أن ألتقي عن قرب بالمبدعين الثلاثة الذين نجحوا في مسابقة القصّة الموجهة للطفل، وهم الكاتبة فوزية حمدون من ولاية بومرداس، والكاتبة نَجاح التجاني من تقرت والكاتب بلقاسم بلغوشن من تيزي وزو، وكانت قصصهم الفائزة بعد اطلاعي عليها وقراءتها بعمق تستحق فعلا هذا الفوز المميز، وعزمت على دراستها نقديّا حتى أقرّبها أكثر للقارئ وأساهم برأيي في الدّفع بالأدب الشبابي الجاد قُدُما إلى الأمام.

فأمّا القصّة الأولى فهي من توقيع الكاتبة المبدعة فوزيّة حمدون من بومرداس، وقد اختارت لها عنوان (بوابة الذّكاء)، ويدور موضوعها حول استخدام الذكاء الاصطناعي في حلّ مشكلات الإنسان اليومية بطريقة بسيطة وفعّالة، ولا تؤثر على البيئة، وقد قامت الكاتبة بافتعال حادثة سقوط البطل على الأرضية المبلّلة أثناء قيام أمه بتنظيف البيت؛ لتكون منطلقا لإيجاد حلّ لمشكلة غسل الثياب بسرعة وبطريقة أكثر فعّالية ودون استخدام الماء وإنما يكون ذلك بواسطة ما يقدّمه الذكاء الاصطناعي، من خلال الأشعة الآمنة والتي لا تؤثر على البيئة.

وهي قصّة تمزج بين العلم وتقنياته والخيال المحلّق وجماله الساحر، حيث يسمع نوفل بطل القصّة أنّ هناك مسابقة ستقام حول الذكاء الاصطناعي، فيسأل أباه المساعدة، لكنّ أباه يعتذر بسبب انشغاله ويحيله على عمّه أحمد، الذي يوجهه إلى اختيار مشكلة صغيرة في حياته ويسعى إلى البحث عن حلّ لها بواسطة الذكاء الاصطناعي، وبعد سقوطها على الأرضية التي كانت تنظفها أمه أمرته أن يذهب إلى غرفته في انتظار أن تساعده على تغيير ثيابه، وتأخذه غفوة فيرى عصفورا يأتيه في حلمه ويعرض عليه أن يذهب معه ليزور مدينة الذكاء الاصطناعي، وهناك اكتشف طريقة غسل الثياب بواسطة الأشعة الآمنة. قصّة مميزة وفيها نوع من الجِدَّة والسّبق في معالجة مثل هذه الموضوعات الحديثة، التي تعتبر من موضوعات السّاعة، ومستجدات العصر الرّقمي.

يمكن اعتبار القصّة من نوع المغامرات العلمية وضمن أدب الخيال العلمي، ففكرة القصّة تعتمد على نظريّة علمية مقبولة عقليا وعلميا ويمكنها التحقق في السّنوات القادمة، كما أنّ تحقق عدّة أهداف معرفية وتربوية، نذكر منها التعرّف على الذكاء الاصطناعي ودوره في حياة الإنسان، أيضا كيفية استغلال التكنولوجيا الحديثة في الحفاظ على البيئة والتقليل من هدر الماء، كما تحث بطريق مباشر على طلب المشورة من الأبوين والأقربين.

لغة الكاتبة وأسلوبها:

لغة الكاتبة جيّدة وأسلوبها جذّاب فيه أهم عنصرين في أدب الطفل هما: (التشويق والإثارة)، والتسلية البريئة مع الخيال الواسع، معجمها اللّفظي مختار بعناية إذ هو من معجم الطفل المعتاد والمستعمل في حياته اليومية في جانبها الثقافي والتعليمي.

جعلت بطل القصّة طفلا شغوفا بالمعرفة، محبا للاستكشاف وهذه خاصية متوفرة لدى أغلب الأطفال، ويحبونها كثيرا في أبطال قصصهم والكتب التي يقرؤونها أو الأفلام التي يشاهدونها سواء على شاشات التلفاز أو الهواتف النقالة.

كما أنّ الكاتبة أدخلت عنصرا مهما جدًا في قصّتها، كثيرا ما استخدمه الكتّاب والمبدعون، وهو عنصر الحيوان الذي يكون بطلا رديفا للبطل الأساسي، ومساعدا له في مغامراته، وكان البطل الرّديف هنا هو العصفور الذي رآه نوفل في المنام، وكان مرشده داخل مدينة الذكاء الاصطناعي، وهذا ما يحيلنا على الفضاء المكاني الذي بدأ في البيت، ثم انطلق إلى تلك المدينة التي صارت حلما مشوقا لكل إنسان في هذا العصر، حيث يعيش الإنسان الرفاهية الرّقمية، والتوق إلى اكتشاف الجديد المذهل في كل ّيوم بل في كلّ لحظة..!

ونجد في هذه القصّة كثيرا من العناصر الفنية المهمة فالإضافة إلى السّرد المباشر (الحكي)، هناك عنصر الحوار الذي تدخلت فيه أطراف عديدة، الحوار بين الأب وابنه والحوار بين الابن نوفل (البطل) وعمه المختص في الإعلام الآلي، والحوار الخيالي بين نوفل والعصفور، وبينه وبين الربوت، كما يوجد هناك الوصف الوظيفي المقتضب الذي يشير إلى الدلالات بدقة واختصار مركز، مثل قول الكاتبة:” فقفز فرحا/ كان نوفل يستمع بشغف/ كانت منهمكة في تنظيف الأرضية، تعثر فجأة وسقط أرضًا، فابتلت ثيابه واتسخت/ فحلق العصفور فوق رأسه مغردًا، وهو يقول: لا تقلق..”

وبلفتة فنية جميلة جدا جعلت الكاتبة الصّور المصاحبة لأحداث القصّة صورا (منجزة) بالذكاء الاصطناعي، لتقدّم الدليل والبرهان الساطع على ما يقدّمه من خدمة خارقة للإنسان، رغم كلّ المحاذير التي يخوّف منها بعض الخبراء والباحثين في هذا الميدان، من سلب حريّة الإبداع والبصمة الشخصيّة وغيرها من المحاذير الكثيرة التي دائما ما تبرز مع كلّ اكتشاف أو فتح جديد للإنسان في مجال البحث العلمي أو التكنولوجي، وهناك ملاحظة ينبغي التنبيه إليها وهي اللغة التي تصاحب الصور المنجزة بواسطة الذكاء الاصطناعي، إذ هي غالبا اللّغة الإنجليزية، ويمكن حلّ هذه المشكلة بالسّعي إلى تحويلها إلى العربية، حتى تنسجم لغة الصور مع لغة السّرد.

وقد ميّز هذه القصّة أيضا المزج بين تحقق الأحلام في (أحلام النوم) وبين تحققها في الواقع الحيّ، وذلك ما يتجلّى في ختام القصّة حينما تقول الكاتبة في جملة مشفّرة على لسان البطل؛ مجيبا أمه عن سؤالها حول كيفية تنظيف ثيابه بينما كان نائما:” فأجاب نوفل مبتسما: بفضل الذكاء الاصطناعي الذي يجعل الحلم حقيقة..”

ومن خلال هذه القصّة وغيرها من الكتابات التي اطلعنا عليها، فإنّ الكاتبة تبشر بميلاد قلم رصين يبدع في أدب الطفل بكل قوّة وثقة وتمكن كبير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.