
إن رمضان يغرس العزيمة، ويبني الإرادة؛ فالمسلم في رمضان يخالف العادات التي اعتادها، ويبتعد عن المألوفات التي أَلِفها، ويتجنب الرغبات التي رغبها، فيستيقظ كل يوم قبيل الفجر، للسحور وصلاة الفجر، ويمتنع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لمدة ثلاثين يوما، ويمسك لسانه عن قبيح الأقوال، وأفعاله عن مساوئ الأخلاق، وفي ذلك تقوية للإرادة، وتحسين للعزيمة.
والمسلم الصائم يستطيع في رمضان أن يعود نفسه على كل ما هو خير، إن صمَدَت إرادته، وقويت عزيمته، فمن السهل أن يترك التدخين، وأن يحافظ على صلاة الفجر، ولا يُغفل الصلوات الخمس، ويداوم على قراءة القرآن؛ فإن علماء النفس يرون أن أي إنسان يريد التغيير، فإنه يجب أن يكرر من 6 إلى 21 مرة، حتى يحدِث تغييرًا حقيقيًّا في حياته، فشهر رمضان من 29 إلى 30 يوما، يمسك فيها عن الطعام والشراب، فلا يأكل ولا يشرب، ولا يغتاب ولا يفسق، أليست هذه برمجة على الإرادة؟.
يقول الرافعي – رحمه الله – عن رمضان: فانظر في أي قانون من القوانين، وفي أي أمة من الأمم، تجد ثلاثين يوما من كل سنة قد فرضت فرضا لتربية الشعب ومزاولته فكرة نفسية واحدة بخصائصها وملابساتها، حتى تستقر وترسخ وتعود جزءا من عمل الإنسان، لا خيالا يمر برأسه مرا….ثم ختم كلامه قائلا: ألا ما أعظمك يا شهر رمضان لو عرفك العالم حق معرفتك لسماك: (مدرسة الثلاثين يوما)
إن إرادة الصائم تقتضي المحافظة على الوقت، والصيام حق الصيام، والقيام حق القيام، وعدم تفويت الفرصة؛ قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62].
إن الإرادة استعداد وإعداد؛ قال ربنا: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: 46]، والإرادة سعيٌ وهمة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19].