يتأكد لنا يوما بعد يوم بأن جل مشاكلنا في هذا الوطن مؤسسة على “الأنانية والمصالح الضيقة”، ونسبة معتبرة مؤسسة على صراعات الأجنحة التي يكون فيها الولاء للأقوى لا لمن هو على حق، معنى هذا أن جوهر المشاكل والأزمات في الجزائر هو الولاء لمن هو أقوى على حساب المصلحة العامة وقلة الوفاء نكرانا لأفضال الرجال وبحثا عن فوائد ومصالح شخصية.
ما يحدث مع مدرب المنتخب الوطني لكرة القدم، جمال بلماضي لهو مثال حي عما تطرقنا إليه، فبلماضي الذي لا يمكن لأحد أن يطعن في وطنيته، ولا يمكن لأي أحد أن يشكك في كفاءته وفي إنجازاته بات يتعرض لحملات تشويه ممنهجة ومتتالية، ويواجه إعصارا من الانتقادات التي لم يواجهها قبله مشرفون على المنتخب الوطني ممن لا يستحقون حتى لقب “المدرب”، ولا ذنب له في هذا سوى أنه رجل نزيه ومستقيم “لا يقبل المساومة” ولا يقبل إملاءات من “أطراف تعودت على أن تمارس الوصاية” حتى على اللاعبين في الملعب.
ما يحدث لبلماضي اليوم هو نفس ما حدث لشيخ المدربين “رابح سعدان”، حيث وبالرغم من نجاحه في تأهيل المنتخب الوطني إلى كأس العالم 2010، ورغم نجاحه في إعادة الكرة الجزائية إلى الواجهة إلا أنه تعرض لحملة شرسة أطاحت به وهو من كان الجزائريون “يحلفون برأسه”، لهذا، فبلماضي وبعد أن لقبه الجزائريون بوزير السعادة، وبمجرد أن تعثر كما تعثر قبله الكثير من المدربين العالميين وجد أن كل من كان “يطبل له” في السابق يطعنه “في ظهره”، ومن بين هؤلاء “أشباه محللين” و”رياضيين خزانة إنجازاتهم خاوية” وحتى “معلقين رياضيين” يتقنون “الخنوع والخضوع والتودد لأسيادهم” ويمارسون ما يمارسه “‘المرتزقة” الذين لا تهمهم الوسيلة بقدر ما تهمهم الغاية، وعندما تكون الغاية إرضاء “الأسياد” فلا حرج لدى العبيد أن تكون وسيلتهم “الطعن في الشرفاء” وتأليب الجمهور عليهم خدمة لجناح ضد آخر.
بلماضي وإن أخطأ فنيا أو تكتيكيا في المباريات الأخيرة، وإن كان قد بالغ نوعا ما في “إرضاء بعض اللاعبين والإبقاء عليهم أساسسيين” رغم عدم قدرتهم على تقديم الإضافة، إلا أن جمال واحد من “أبناء الجزائر” الذين خدموها بكل صدق وإخلاص، وواحد من الشخصيات الرياضية التي أعادت للرياضة الجزائرية عموما ولكرة القدم الجزائرية خصوصا مكانتها في العالم، فبلماضي هو من رفع المنتخب الوطني إلى أسمى الدرجات التي جعلت من “اللعب معه” حلم البعيد قبل القريب، وبلماضي صانع أفراح الجزائريين في وقت خرج فيه الملايين منهم “يعبرون عن احتقانهم” من “ممارسات العصابة”، وبلماضي من أضاف لخزينة المنتخب الوطني “النجمة الثانية والكأس الإفريقية الثانية” وأنعش “خزينة الفاف” ولم يسرق “ملايير الإشهار العمومي” مستغلا اسمه، وبلماضي هو من وضع المنتخب الوطني في مضمار المنافسة على سلسلة اللا هزيمة التي لم يتجرأ أحد قبله على التفكير في خوضها.
نحن نعرف أن الخطأ جزاؤه التكفير، وليس الإعدام، وبلماضي بحاجة لدعم وتشجيع من أجل التكفير عن خطإ وقع فيه ربما لشعوره بأنه “الأب” واللاعبين أبناء ليس إلا، أما الإعدام الرياضي فلا يستحقه سوى أولئك الذين “يتاجرون بالمنتخب الوطني” وبالجمهور ويتحدثون باسم “الجزائريين” ليصفوا حساباتهم وليبلغوا غاياتهم الدنيئة، وبلماضي ليس أول مدرب يتعثر وليس أول مدرب يخطئ، وطبعا ليس المسؤول عما “يطبخ في الكواليس” وليس مسؤولا عن “تقديم الميلفاي لقاساما” بعد أن أقصانا.
سمير بوخنوفة