
تأتي ولاية باتنة على رأس الولايات الأكثر ترقبا لترجمة مخرجات لقاء الحكومة/ الولاة الذي انعقد أسبوعا قبل حلول العام الجديد، وتعول عاصمة الأوراس في ذلك على ما اقترحه المجتمعون على مستوى سلك الولاة حول صيغ المساعدة في استكمال البناءات التي دعا رئيس الجمهورية إلى أخذها بعين الاعتبار من أجل تحسين النسق العمراني العام داخل كبريات المدن في الجزائر.
يُدرج مهتمون بالعمران ولاية باتنة على رأس كوكبة الولايات التي تعرف عمرانا غير مكتمل الإنشاءات، لاسيما الواجهات الخارجية منه على وجه التحديد، ما أثر بشكل سلبي للغاية على الصورة الجمالية ومظهر المدنية بعاصمة الأوراس التي تبدو في عين زائريها من بعيد بمثابة “هضبة حمراء” للوهلة الأولى، أو كمن يستعد ليجتاز زوبعة رملية أوجدها المنظر العام الشاحب الذي آلت إليه عاصمة الأوراس اليوم عبر كامل مداخلها الرئيسية.
وأضاعت ولاية باتنة منذ مطلع الألفية نسقها العمراني، مثلما فقدت زمام التحكم في حركية تمدد أحيائها بعدما ابتلعت الأحياء الفوضوية والعمران الخارج عن الشرعية القانونية كل أرجاء المدينة، تحوّلت على إثره الولاية إلى شبه مرقد الكل يبحث فيه عن موضع رأس للنوم على حساب الالتزام بما يفرضه منطق المدنية من هندسة عمرانية خاصة، تتناسق مع المحيط والفضاءات المفتوحة التي تخدم في الأول والأخير الساكنة قبل ضيوف المدينة.
وجاء الجهل القائم على مفاهيم الخوف من الحسد و”العين” وسط الساكنة ليعمق أكثر من سوداوية وضع العمران في الولاية، وما تعكسه ثقافة العجلات المطاطية التي تعلو أسقف البناءات و”الفيلل” سوى واحد من المفاهيم والعادات الاجتماعية السيئة التي حالت دون تجسيد الذوق الجمالي للمحيط العمراني في الولاية.
وساهم غياب مشاريع سياحية راقية داخل النسيج العمراني بالمدينة بجانب اهتراء شبكة الطرقات، وتآكل الأرصفة في تمدد صورة “لبريك” الذي غزى الولاية؛ في الوقت الذي انسحبت فيه اللوحات الفنية التي كانت إلى وقت قريب تزين أحياء الولاية على مستوى العمارات، تاركة المجال مفتوحا للتنافس بين أنصار قطبي الرياضة بالمدينة، بعدما أتت ألوانهم وشعاراتهم الرياضية على كل الجدران والأسوار، في حين غاب الذوق الفني الطبيعي كليا من ساحة المشهد اليومي بباتنة.
ويعرف العمران بالولاية وضعا دراماتيكيا على صعيد الجمالية والصورة السياحية نتيجة تغول المزيد من الأحياء التي نمت كالفطريات في ظل الاعتداء الصارخ على العقار العمومي، وما كلفته تلك الاعتداءات من فواتير غالية سددتها الخزينة المحلية تحت الإرغام، من خلال استجابتها لمتطلبات هذه الأحياء ودعمها ببرامج تنموية هامة تناولت إمدادات خطوط الكهرباء وإيصال شبكات الماء والصرف الصحي والتهيئة العمرانية كتعبيد الطرق، وإقامة الأرصفة رغم أنها أحياء وتجمعات تقع خارج دائرة الاعتراف قانونا.
وتعود آخر عملية جمالية عرفتها عاصمة الولاية إلى نحو 06 سنوات خلت أو أكثر، أشرف فيها ديوان الترقية والتسيير العقاري على حملة إعادة طلاء ودهن واسعة مست جزء كبير من النسيج العمراني، بلغت معظم التجمعات السكانية بمن فيها تلك المتواجدة داخل الأحياء الشعبية العريقة، بعدها دخلت سلطات الولاية المتعاقبة في “صيام” عن تقديم مثل هذه الخدمات التضامنية تحت طائلة العجز الميزانياتي، وبسبب اعتماد سياسة التقشف وترشيد النفقات التي امتدت لتطال حتى ديكور التزيين الذي يعتمد على إطلاق الستائر العملاقة على واجهات بعض المباني والعمارات عند إحياء المناسبات الوطنية الكبرى في الولاية.
معلوم أن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون عرّج بمناسبة إشرافه على افتتاح لقاء الحكومة/ الولاة يوم 24 ديسمبر الماضي على ملف العمران داخل المدن الجزائرية، متحدثا بإسهاب حول البناءات غير المكتملة والتي شوهت المنظر العام للمدن الجزائرية، وساهمت في الإحباط النفسي وسط المجتمع متحدثا إلى ولاة الجمهورية أنه بصدد انتظار مقترحاتهم حول إيجاد صيغ قانونية تتكفل بهذا الملف، سواء في شكل مساعدات تقدم لأصحاب البناءات غير المكتملة لإنهاء أعمالهم، أو اعتماد صيغ أخرى كالقروض الخالية من الفوائد لذات الغرض، أو التشديد على إتمام كافة الأشغال قبل تمكين أصحابها من شهادة المطابقة.
وشدّ حديث رئيس الجمهورية حول هذه النقطة بالذات ولاية باتنة التي تتطلع إلى ترجمة مخرجات اللقاء، في حين دخل الشارع المحلي في حالة ترقب أي تصريحات رسمية بشأن الموضوع من طرف السلطات المحلية.
عبد الرحمان شايبي