العمود

بطولات فردية وخنوع جماعي

وجب الكلام

لا حديث يعلو هذين اليومين على الحديث عن الشابة المغربية الأصل والموظفة في شركة مايكروسوفت الأمريكية، حيث وأثناء احتفال الأخيرة بمرور 50 عاما على تأسيسها، خطفت الشابة ابتهال الكلمة وواجهة أحد رموز الذكاء الاصطناعي في الشركة قائلة أن “أيديهم ملوثة بالدم”، فقد قالت أن خدمات الذكاء الاصطناعي والسيرفرات قد تم تسخيرها لدعم آلة الإجرام الصهيوني التي أزهقت أرواح آلاف الأبرياء في غزة، ولم يكن موقفها مجرد لحظة انفعال، بل إنه كان قرارا مدروسا أتبعته بخطوة عملية، إذ أرسلت بريدا إلكترونيا لجميع موظفي الشركة، والذي وضحت فيه موقفها وأدانت استخدام مايكروسوفت في قتل المدنيين، وبالطبع، فإن الشابة “المغربية” قد ضحت بعملها الذي يدر عليها آلاف الدولارات وضحت بمستقبلها في أمريكا التي أصبح العمل والإقامة بها حلم الملايين عبر العالم.
موقف ابتهال، لم يختلف عن موقف “الصحفي العراقي” منتظر الزيدي، الذي رهن نفسه وقامر بها حين رشق الرئيس الأمريكي “جورج بوش الإبن” بفردتي حذائه خلال مؤتمر صحفي عام 2008 في العراق وفي حضور رئيس الحكومة العراقي آنذاك أنور المالكي، وقد كان تصرف الزيدي تعبيرا عن رفضه للغزو الأمريكي للعراق بعد عامين من إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والنتيجة طبعا هي أن الزيدي قد تم سجنه وتم تعذيبه طوال فترة سجنه.
حادثة ابتهال، وحادثة منتظر الزيدي متشابهتان من حيث كونهما بطولات فردية، وقد سجل التاريخ عشرات البطولات الفردية لأشخاص متمردين على “الأوضاع” السائدة في كل المجتمعات وعبر مختلف العصور والأزمنة، لكن القليل منها فقط من كان لها الأثر الإيجابي في توجيه الرأي العام إلى “نصرة القضايا المطروحة”، ربما لأن “الكثرة تغلب الشجاعة” وربما لأن البطولات الفردية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تهزم “الخنوع الجماعي”.
ربما لم نعد اليوم إلى بطولات فردية، التي تصبح في الكثير من الأحيان مجرد “ظواهر صوتية”، وقد ينظر إليها  في أحيان أخرى على أنها حماقات وتصرفات متهورة يدفع “المندفع” وحده ثمنها، بل إن ما نحتاجه اليوم هو أن تصبح البطولات جماعية والخنوع فرديا، وهذا ما لن يتحقق في زمن “أصبحت فيه منطقة الراحة” تستهوي الملايين من البشر عبر العالم طالما أن “قوى الشر تعمل وتطبق”، والأخيار في العالم “ينظرون ويتمنون ويثيرون نقاشات حول جواز الجهاد من عدمه وحول طريقة إخراج زكاة الفطر نقدا أم طعاما”؟

حمزه لعريبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.