إسلاميات

بشرى استقبال شهر رمضان الكريم وتعظيمه وتوثيق الصلة بالله عزوجل

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ سورة البقرة الآية 183

من أعظم أهداف مدرسة رمضان بلوغ درجة التقوى والكمال، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].

فرمضان شهر الإخلاص لله تعالى، واكتساب الأجور المضاعفة، وشهر التوبة الصادقة، والتسابق لِفِعل الخير والإحسان، وصلة الأرحام، وضبط الجوارح، وتهذيب النفس، وتربية الروح، وتحقيق السلامة الصحية، وتلاوة القرآن وتدبُّر معانيه؛ لذا يستبشر المؤمنون والمؤمنات بقدومه: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان، ويَحُثُّهم على الاعتناء به، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» صحيح – رواه النسائي مما يستدعي حُسْنَ استقباله، والتَّعبيرَ عن تعظيمه، والابتهاجَ بقدومه.

فهنيئا لِمَن استقبل شهر رمضان بالتعظيم والفرحة، والبُشرى والبهجة، ثم ودَّعه بِشُكْرِ المُنْعِم الغفور على توفيقه وإنعامه في سيِّدِ الشهور، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]. ويا خسارةَ مَنْ فرَّط في رمضان، فاستقبله بالتَّبرُّم والتَّثاقل؛ خوفًا على حِرمان نفسِه من شهوة الطعام والشراب، وسائر اللذات.

إن كل الظروف مهيأة للإكثار من فِعل الخيرات؛ فالشياطين مصفدة، وأبواب النار مُغلقة، وأبواب الجنة مفتوحة؛ يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» صحيح ـ رواه الترمذي. فالفرصة مُهَيَّأةٌ، والمجال مفتوح: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26].

والصائمون والصائمات تتجدد فرحتهم كل يوم بالفطر ونعمة الصيام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» رواه البخاري. قال النووي رحمه الله: (أَمَّا فَرْحَتُهُ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ؛ فَبِمَا يَرَاهُ مِنْ جَزَائِهِ، وَتَذَكُّرِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِهِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا عِنْدَ فِطْرِهِ؛ فَسَبَبُهَا تَمَامُ عِبَادَتِهِ، وَسَلَامَتُهَا مِنَ الْمُفْسِدَاتِ، وَمَا يَرْجُوهُ مِنْ ثَوَابِهَا). فهذا سَيِّدُ الشهور، وهو شهر الصيامِ والقرآن، وشهر القِيامِ والإحسان، وشهر الصَّبرِ والغُفران، وشهر الرحمةِ والعِتقِ من النيران، فاغتنمه فقد لا يعودُ مرة أخرى.

يختص الصيامُ عن سائر العبادات بأنه سِرٌّ بين العبد وربه، لا مجال فيه للرياء والنِّفاق؛ لِخفاءِ حقيقته، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي» رواه مسلم. قال ابن القيم رحمه الله: (هُوَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ؛ فَإِنَّ الصَّائِمَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَتْرُكُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِ مَعْبُودِهِ، فَهُوَ تَرْكُ مَحْبُوبَاتِ النَّفْسِ وَتَلَذُّذَاتِهَا إِيثَارًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ، وَهُوَ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ سِوَاهُ).

ويرتبط صيام رمضان برباطٍ وثيقٍ بالقرآن العظيم الذي أنزله الله تعالى هدى للناس، وشفاء ورحمة للمؤمنين؛ ومما يدل على هذا الترابط والاقتران بين رمضانَ ونزولِ القرآن قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185].

وفي الصوم جِهاد للنفس على مَلَذَّاتِها وأهوائها؛ لوقايتها من غواية الشيطان، وسُبُلِ الانحراف والعِصيان، وقد أكَّدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ، وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ» رواه البخاري.

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم الصائمين من صيام البطنِ والفَرْجِ دون صيام الجوارح عن المَنْهيات؛ فقال: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، وَالْجَهْلَ؛ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه البخاري. فيا خسارةَ مَنْ صام عن الطعام والشراب، ولم يَحفظْ سمعَه وبصرَه ولِسانَه عن المنكرات.

ورمضان هو شهر التوبة والغفران؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه» رواه البخاري.

والقرآن الكريم يُؤكِّدُ على الصائمين الإكثارَ من الدعاء؛ قال الله تعالى – في سياق آيات الصيام: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]. قال ابن كثير رحمه الله: (فِي ذِكْرِهِ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الدُّعَاءِ، مُتَخَلِّلَةً بَيْنَ أَحْكَامِ الصِّيَامِ؛ إِرْشَادٌ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ إِكْمَالِ العِدّة، بَلْ وعندَ كُلِّ فِطْرٍ).

ورمضان هو شهر الجُودِ والإحسان، ومُضاعفةِ الأجور؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» رواه البخاري، فينبغي الإكثارُ من الجُودِ بالعلم والمال والجاه والبدن والخُلُق في رمضان.

فَلْنغتنِمْ هذا الشهر المبارك بمزيدٍ من الطاعات وفِعل الخيرات؛ بالمواظبة على الصلوات الخمس مع الجماعة، وصلاة القيام، وتلاوة القرآن، وإِخراجِ الزكاةِ المفروضة، والصدقة النافلة، وبَذْلِ المعروف، وصلة الأرحام، والإكثار من ذِكْرِ الله تعالى والاستغفار، والقيام بأداء العُمْرة لِمَنْ تيسَّر له ذلك؛ لِمَا لها من فَضْلٍ عظيم أخبرنا به النبيُّ الكريمُ صلى الله عليه وسلم، فقال: «إِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي» رواه البخاري.

د.محمود بن أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.