محليات

باتنة تشوهت عمرانيا..!

شهدت جرائم عمرانية كثيرة منذ الاستقلال

منذ تأسيسها رسميا كمدينة في 12 سبتمبر 1848 تحت اسم “لومباز الجديدة” لتتحول تسميتها بعد عام إلى “Batna” وهو لفظها القديم الذي يظهر في عدة مصادر تاريخية على غرار ما كتبه الرحالة البريطاني توماس شاو سنة 1732 حين وصفها بـ “Baitnah“، وبعيدا عن مختلف التفاصيل التاريخية والصراعات التي ميزت بداية تأسيس المدينة كمركز عسكري سنة 1844 من طرف الدوق دومال في المكان الذي تتواجد فيه حاليا محطة تصفية المياه عند المخرج الشمالي، وذلك أثناء حملته الشهيرة على الأوراس والتي عرفت دخوله في حروب مختلفة مع عروش المنطقة، كانت مدينة باتنة تتطور في كثير من النواحي وخاصة في الجانب العمراني لتُصبح مع مطلع القرن العشرين واحدة من أجمل المُدن الجزائرية كونها تتربع على مساحة شاسعة في حوض تُحيط به الجبال ومختلف مُدن الأهالي الأقدم في صورة المعذر، لامبيريدي، لومباز، ماك ماهون وغيرها، غير أن هذا التطور لم يكن بالصورة التي ضمنت لاحقا استمرار الجانب الجمالي للمدينة، بل إن ما حدث في السنوات الأخيرة كان تشويها بامتياز لعمران “باتنة” والذي يبقى مستمرا بطريقة جعلت هذه المدينة التي تستحوذ على إرث تاريخي كبير ومُدن شاهدة على حضارة تمتد على قرون تسير بخُطى ثابتة لأن تُصبح واحدة من المدن التي لا يمكن السيطرة عليها عمرانيا إلا بفرض قوانين صارمة وقرارات عاجلة تساهم في إنهاء مظاهر التشويه التي باتت مكشوفة وبشكل مفضوح.

يكفي أن تعتليَ أقرب سفح من سفوح الجبال المُحيطة، ليقع نظرك على مدينة حمراء مُشوهة على جوانبها بأحياء مبنية بطريقة فوضوية للغاية وتعكس بوضوح أسلوبا عمرانيا قبيحا لا يتماشى إطلاقا مع ذلك الموجود في وسط المدينة وخاصة في السنوات السابقة. وبعيدا عن التجمعات السكانية الجديدة بعماراتها المصممة بشكل قبيح وكلاسيكي، فإن المواطن الباتني خصوصا والجزائري بشكل عام يتوجب عليه أن ينظر إلى المحيط الذي يعيش فيه على أنه بيئة مُكونة لإنسان سليم، وهو ما عبر عنه الروائي السويسري الشهير “بليز ساندرار” قائلا: “L’homme crée le milieu, puis, à son tour, le milieu façonne l’homme” أو “الإنسان يخلق البيئة، ثم البيئة بدورها تشكل الإنسان”، ولذلك فإن المحيط الحضري الذي يعيش فيه أبناؤنا اليوم لا يُمكن أن يكون محيطا سليما يُنتج إنسانا مُتحضرا بالمعنى الحقيقي، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من جميع السكان ناهيك عن السلطات المعنية، وهو الأمر الذي تمت مناقشته في اجتماع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مع الحكومة مؤخرا وتم التأكيد على ضرورة “إعادة الاعتبار للوسط الحضري وتعجيل وتيرة عمليات تسوية وضعية البنايات غير المكتملة والاهتمام بالتهيئة الحضرية”، ما يُشير إلى كونها مسؤولية مشتركة خاصة إن تعلق الأمور بمواطن قادر على بناء أكثر من طابق وإنهاء منزله بأحدث التجهيزات في الداخل، وفي المقابل لا يُكلف نفسه عناء إنهاء وصباغة منزله من الخارج ليُساهم بشكل مباشر في تشويه المنظر العام.

ولأن العمارة هي فن وعلم يختص بتصميم وتخطيط وتشييد المباني والمنشآت التي يستفيد منها الإنسان يوميا، فإن مدينة باتنة اليوم وما يجاورها من ولايات أوراسية لا يُمكن أن تُجسد على الإطلاق مصطلح “فن عمراني”، وفي الوقت الذي يذهب العديد من المهندسون في مختلف الدول لتصميم المُدن أو إعادة تعديلها بما يتماشى وطبيعة المنطقة مع دمج طابع ثقافي وتاريخي في مختلف المنشآت، شهدت باتنة على مر السنوات الفارطة جرائم عمرانية لا يُمكن بأي شكل من الأشكال أن يغفرها التاريخ ولا سكان المنطقة الغيورين، ومن أشهر الأحداث التي تحُز كثيرا في نفوس سكان المدينة إلى اليوم، هدم معالم تاريخية كان يُمكن تحويلها إلى مكتبات أو مُنشآت يستفيد منها السكان وأيضا تساهم في تقديم صورة أجمل للمدينة، على غرار الكنيسة التي كانت متواجدة في المكان المسمى حاليا ساحة حرسوس بوسط المدينة والتي تم تهديمها لأسباب غريبة بأمر من أحد ولاة باتنة قبل أزيد من نصف قرن ومن دون تحرك أعيان المدينة وقتها، ورُبما بإيعاز بعضهم، ناهيك عن “الكازينو” الذي هُدم مؤخرا دون ترميمه أو تشييده بنفس التصميم والعديد من البنايات والمعالم التي كانت تُعطي لهذه المدينة طابعا جماليا يليق بتاريخها، ليصل الأمر حتى إلى سرقة “تمثال جون دارك” من المقبرة المسيحية أين تم نقله بعدما كان يُزين تقاطع طُرق في قلب مدينة باتنة مُقابل مقر البلدية على مستوى طريق بسكرة، ولأن هذا غيض من فيض، فإن المسؤولية اليوم تقع على عاتق مسؤولي الولاية ثانيا، أما أولا فعلى سكانها وأبنائها الغيورين الذين يجب أن ينتفضوا لأجل إعادة مدينتهم إلى سابق عهدها، أو على الأقل إعادة جزء من ماضيها الجميل.

محمد. ب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.