
لكُلِّ امرئٍ من اسمه نصيب وحسناءُ أيضاً لها من اسمِها نصيب، فتاةٌ جميلة ذات ملامح ناعمة ورقيقة، تمتلكُ وجهاً مستديراً تُحيطُ به خصلات شعرٍ مُتموّجة، ويعلو عينيها التي تشبهُ حبتي لوزٍ بُنيّة حاجبين مرسومين بعنايةٍ فوق جبينٍ عالٍ ولامع، وأنفٍ دقيقٍ بدا مثل منحوتة وسطَ وجهها، وعلى جانبيه وجنتانِ ورديّتان زُيّنت ببُقع صغيرة من النّمش الأصفر، ممّا أضفى على وجهها مزيداً من الجمالِ والجاذبيّة مع الشّفاه المُمتلئةِ قليلاً والتي تكشفُ عند الابتسام عن أسنانٍ بيضاء مثل حبّاتِ اللؤلؤ المكنون.وعلى الرغم من هذا لم تكن ترَ هذا الجَمال ! كأنَّ غَشَاوةً غطّت عينيها ومنعتها من رؤيته. ولذا كان الحزنُ بادٍ بوضوح على مُحيّاها، تنظرُ في المَرايا، تتأمّلُ ملامحها ولا تبصرُ شيئاً من الجمال الذي يتغزّل به كلّ مَن يراها وهذا ما لم يكن يُثير داخلها أدنى إحساسٍ بالسّعادة، على العكس من ذلك كانت ردّة فعلها تجاه كلامهم باردة جدّاً، إذ تبتسمُ ابتسامةً مُصطنعة وترمقهم بنظرةٍ باهتة، لأنّها تعلمُ يقيناً أنّ كلامهم لن يُغيّر شيئاً فيها لأنّ المشكلة تكمن في نظرتها لنفسها وليست في نظرة النّاس لها.
ذات مرّةٍ نظرت إلى انعكاسِ صورتها في المرآة، تحسّست وجهها بكلتا يديها محّدثةً نفسها بنبرةٍ حزينة :
“لو أنّ عيناي كانت أوسع ولم تكن بنيّة اللون، لو كان وجهي خالٍ من النّمش وبشرتي صافية وأنفي أصغرُ قليلاً لبدوتُ أحلى حتماً!”
مرّرت أصابعها بين خصلاتِ شعرها: “لم أحبّ شعري الكستنائي المموّج يوماً، ولطالما حلمتُ بشعر طويلٍ وناعمٍ مثل الحرير! أكره شكلي، وأتوارى عن أنظارِ العالم لأنّي أخاف ألّا أنال منهم القبول أو الإعجاب”.
ورمت مرآتها الصغيرة أرضاً فانكسرت وتحوّلت لشظايا متناثرة خدشت قلبها فأجهشت بالبُكاء. ومنذ ذلك الحين وهي تهرب من نفسها ومن المرايا، إذ أنّها بقيت على هذا الحال سنواتٍ عديدة إلى أن حدث تغييرٌ مفاجئ أثّر على حياتها بإيجابيّة، في الوقت الذي عجز فيه كل شيء عن مساعدتها وإخراجها من حالة فقدان الثقة تلك، حتى المُعالج النفسي لم يفلح في تقديم يد العون لها؛ بيدَ أنّ الحُبّ فعل ذلك! إذ أنّه يزيدُ من جمالنا وتألّقنا، ليس هذا فحسب؛ أيضاً تُصبحُ مرآتنا هي عينُ مَن نُحب! وهذا ما حصل مع حسناء عندما قالَ لها مَن تُحب للمرّة الأولى: “أنتِ جميلة” ردّت بذهول : “أنتَ تراني فتاةً جميلة؟” “أنتِ كذلك حقّاً!” فلمعت عيناها ونبتت أجنحةً لا مرئيّةً لروحها جعلتها تعودُ إلى البيت في ذلك اليوم وهي تطيرُ فرحاً وليس سيراً على الأقدام. لتقف أمام المرآة وتُعاود النّظر في وجهها فترى الصورة الحقيقيّة لحسناءِ الجميلة بدون غباشٍ، بدون خداعٍ أو زَيف!
آية زينو/ الجزائر