
في الحياة الطبيعية،
قد تأتي المصائب فُرادى أحياناً،
وقد لا تأتي،
لكن في معسكرات النزوح،
لا تأتي المصائب فرادى إطلاقاً.
قالوها قديماً،
الموت يطارد أولئك الذين يهربون منه،
هكذا أصبح يتتبع آثارهم من قريةٍ لأخرى.
هولاء الذين نجوا،
ركضوا طويلاُ خوفاً من أن يلاحقهم الرصاص.
تركوا كل شيءٍ خلفهم،
منازلهم،
أمنهم،
وأشلاء تقتات عليها الغربان.
مجرمٌ هذا الإنسان،
الذي يألف مصاحبة البنادق
التي تغرس أنيابها في أجساد الأبرياء.
مسكينٌ هذا الإنسان،
الذي يلوذ بالمجهول
هرباً من شخصٍ يعرفه أو لا يعرفه.
تلك نبوءة محمدٍ النبي،
يقتلونك بلا تفكير،
بلا معنى،
كأحجارٍ على رقعة شطرنج.
يحسدونك على اللاشيء،
سوى أنك لم تكن مُخطئاً مثلهم.
يحسدونك لأنك لا تملك سوى ثوبٍ واحد تلتحف به كي لا يتعرى ما تبقى منك.
في أحد المعسكرات،
رأيتُ ثلاثة نسوة يتكورن تحت ملاءة واحدة،
ربما يختبئن من أصابع البرد التي تتحرش بأجسادهن النحيلة،
أو ربما يختبئن هرباً من الأفكار التي تلاحقهن طوال الوقت.
رأيتُ صبية،
يتجمعون حول شعلةٍ صغيرة،
يلتمسون دفئاً لم يمنحه لهم وطنٌ كبيرٌ.
رأيت عجوزاً برأس مكشوف،
وذراعين عاريتين
لم يترك فيهما الدهر شيئاً للشتاء،
تمشط شعر الرجاء أملاً في العودة.
رأيت رجلاً بساقٍ مبتورة،
يرمق ببصره السماء كل صباح،
بعينين جاحظتين
يبحث عن الله
ليبعد عنهم أزيز الطائرات المحملة بالذخائر.
وعند المساء،
يتمنون لو يقضون ليلة واحدة،
ليلة واحدة،
دون أن تفزعهم تحرُكات المليشيا
التي تتربص بهم كما الفرائس.