
يعتبر قطاع التربية والتعليم من أكثر القطاعات عرضة للتداول وكثرة الإشاعات والأخذ والرد بسبب ارتباطه بمصير الأبناء ومن ثمة مصير وطن بأكمله، ومما يُتفق عليه أن كثرة الإشاعات ما هي إلا أعراض جانبية لأمراض مستعصية عميقة الأثر قد تُختصر في انعدام الثقة بين المؤسسات والمواطنين بصفتهم أولياء وتلاميذ وأساتذة وجميع الطواقم التعليمية في العموم..
وتعيش المنظومة التربوية على تداول الأجيال منذ الاستقلال حالة من انعدام الاستقرار والانضباط والتحول والتقلب بين تجربة تعليمية وأخرى، زيادة عن تكرار مسلسل الأزمات المتزامن عادة مع كل دخول مدرسي أو عطلة صيفية على أمل العودة بما هو جديد لصالح التلاميذ الذين يخضعون لتجارب ومناهج وأساليب تعليمية لم تصل إلى مستويات الرضا التي تحاول وزارة التربية أن تصل إليها “بإخفاقات متلاحقة” تؤكد وجود خلل لم يتم استيعابه بعد رغم المداخلات والأفكار والحلول التي يقدمها خبراء القطاع من أبناء الوطن والذين يعيبون على الوزارة استعانتها بتجارب خارجية وتعديلها وفق ما يقتضيه الواقع الجزائري ومع ذلك فإنها فشلت في طرح بدائل بالمستوى المطلوب والمُتطلع إليه..
وقد انشغل أهل القطاع في هذه الفترة وكذلك الأولياء والتلاميذ بالإشاعات المطروحة بشأن تغيير المناهج وتقليص الدروس في جميع الأطوار وتعميم تجربة “تقييم المكتسبات” لتعوض شهادة التعليم المتوسط وإلغاء الشهادة العام المقبل كما هو رائج عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومحلا للنقاش عبر صفحاتها والحسابات الشخصية، زيادة عن احتمالية إعادة هيكلة النظام التعليمي برمته، فما إن تُطرح مثل هذه القضايا وتُثار حتى يحتدم النقاش وتتوسع الآراء في حين أن كل ما طُرح ويُطرح ليس سوى إشاعات من طرف جهات تحاول ربما رصد التوجهات والمطالب بأساليب غير مباشرة، خاصة وأن وزارة التربية الوطنية نادرا ما تتبنى الردود والتوضيحات أو التبرؤ من كل ما يُشاع مثيرا للقلق والاحتقان والترقب أو تقدم توضيحات رسمية لتضييق مجال الإشاعات التي سادت الواقع الجزائري ومواقعه..
والحديث عن الإصلاح التربوي في الجزائري ليس وليد الساعة بقدر ما هو مطلب عريق وقديم، حيث أن ما تم تقديمه كإصلاحات حمل الكثير من الاختلالات وغيّب بإصرار الرؤى المتكاملة للمنظومة والتي تبناها مختصون جزائريون بامتياز لتتواصل ما وُصف بتجارب “التعديل والتجريب” وهذا ما أثر في مصداقية الإصلاحات بحد ذاتها وبكون أيّ إصلاح لن يكون للصالح العام إذا لم يمتد من أصالة وهوية وسيادية الدولة الجزائرية..
لا خلاف في كون المشاكل المطروحة من كثافة البرامج والاكتظاظ وتدهور لغة التواصل بين بيئة التمدرس والمجتمع تنصب جميعها في كون القطاع بحاجة إلى نقلة “نوعية” وليس إلى مزيد من الترقيعات الخالية من الجدوى وما على وزارة التربية سوى التواصل مع
المعنيين بها لكون الإصلاح التربوي الفعلي لا يتم في جلسات مغلقة لينتهي بقرارات فوقية مفاجئة بقدر ما تفجره الشفافية ويتبناه أهل الاختصاص من خيرة ما أنجبت البلاد من أبنائها المخلصين للوطن وللقضية.
سماح خميلي