
المختص في الشأن السوري الصحفي عمار قطان لـ “الأوراس نيوز”: “الحكومة السورية اعترفت ضمنيًا بعجز الجيش عن المواجهة المباشرة مع “جيش الكيان”
أشار ان القبول السوري بالتعاون مع روسيا قد يكون "خيارا بلا بدائل"
منذ الثامن من شهر ديسمبر الماضي تتسارع الأحداث بوتيرة متصاعدة في الملف السوري على مختلف الأصعدة المحلية داخليا في سوريا وعلى الصعيدين الإقليمي والعالمي، حيث تتصدر سوريا الأحداث بعد سقوط نظام آل الأسد الذي حكم بالحديد والنار لمدة تجاوزت 50 سنة، واستغرق اسقاطه 14 سنة من الصمود والقتال بين أبناء البلد الواحد ليتم أخيرا تحرير سوريا والانطلاق بها نحو وجهة صنفها عديد المحللين السياسيين والاستراتيجيين “بالمجهولة” حيث أن الجميع لا يملك أي معطيات لتنبأ بمستقبل البلاد، وللغوص في هذا الملف تستضيف “الأوراس نيوز” في عدد اليوم الصحفي والخبير في الشأن السوري عمار قطان ليطلعنا على الجديد في الداخل السوري ورؤية السوريين لمستقبل بلادهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشار أن الرئيس “أحمد الشرع” يعاني من تحديات جسيمة في إدارة ملفات إعادة الإعمار، وتأمين الخدمات الأساسية، وبناء الثقة مع فئات واسعة من الشارع السوري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حوار: رضوان غضبان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد حوالي أربعة شهور من تحرر سوريا، كيف يرى الشارع السوري أداء الرئيس أحمد الشرع؟
خلال الأشهر الأربعة الماضية، واجه الرئيس الشرع تحديات جسيمة في إدارة ملفات إعادة الإعمار، وتأمين الخدمات الأساسية، وبناء الثقة مع فئات واسعة من الشارع السوري الذي عانى لسنوات من الحرب.
ففي استطلاعات ميدانية (أجرتها منظمات محلية)، عبّر جزء من السوريين عن تفاؤل حذر بإمكانية تحسن الأوضاع، خاصة مع عودة بعض النازحين وفتح طرق رئيسية، بينما يرى آخرون أن الإصلاحات بطيئة، ولا تلامس معاناة المناطق المُدمرة.
و برأيي أن الانتقادات تتركز على غياب خطط اقتصادية واضحة، ومحاولة اجتثاث الفساد الذي خلفه النظام البائد في مؤسسات الدولة، و قد أكدت الحكومة الجديدة على أن الأولوية الآن “تثبيت الأمن”، لكن الشارع ينتظر خطوات ملموسة في ملفي العدالة والمحاسبة.”
بعد أحداث السويداء انقسم التوجه الإعلامي في نقله للأخبار بين مؤيد للنظام السابق المخلوع ومؤيد للنظام الحالي، كيف يمكنك أن تلخص ما يحدث هناك؟
الأحداث في السويداء كشفت عمق الانقسام المجتمعي السوري، حيث تحوّلت المحافظة إلى ساحة لتصفية حسابات سياسية بين أطراف محلية.
الإعلام المناصر للنظام السابق يصور الأحداث على أنها “تمرد مسلح”، بينما يؤكد الإعلام الحكومي أنها “عملية أمنية ضد مليشيات خارج القانون لبعض التيارات السياسية المتواجدة هناك”، و هذا ما نشاهده و نلمسه من رفضها المتكرر للاندماج في الحكومة الجديدة متحججة بمخاوف تتعلق بمستقبل المدينة، مع تأكيدات الحكومة الحالية على أنها حريصة على مشاركة كل الأطياف في النظام الجديد .
الحقيقة أن الموقف في السويداء معقد؛ فبعض التيارات، التي تشكل ثلث المدينة تقريبا، ترفض سلطة الحكومة المركزية، بينما تتهمها جهات أخرى بالعمالة لأطراف خارجية.
تشهد هذه الأيام غارات عنيفة وقصف همجي ووحشي من قبل دولة الكيان الإسرائيلي، ما هي الأضرار الميدانية الناتجة عن القصف؟ وما هو موقف الحكومة السورية الجديدة، خصوصا أننا نتحدث عن بلاد يمكن اعتبارهااستقلت حديثا بجيش مكون حديثا وربما منهك من حوالي 14 سنة قتال؟
العدوان الإسرائيلي الأخير في سوريا ركز على مواقع عسكرية في درعا ودمشق وريفها وحمص وحماه، وأدى إلى تدمير أجزاء من البنية التحتية العسكرية، واستشهاد عشرات المدنيين معظمهم في الجنوب السوري و في درعا تحديدا .
الحكومة السورية الجديدة أدانت الهجمات ووصفتها بالعدوان الوحشي، لكنها تعترف ضمنيًا بعجز الجيش – الذي أنهكته سنوات الحرب – عن المواجهة المباشرة، ما دفعها إلى الاعتماد على الدعم الدبلوماسي الدولي، وتقديم شكوى لمجلس الأمن.
تركيا أشارت أنها لاتريد القتال ضد اسرائيل في المقابل تريد قواعد عسكرية بمواقع قريبة للحدود معها، هل يمكن أن يتم المقايضة على الدفاع المشترك على الحدود والسيادة السورية على أراضيها ماقيل هذه القواعد؟
“البيان التركي الأخير يخلط بين خطابين: الأول “استعراضي” يرفض الصدام مع إسرائيل، والثاني عملي يطلب إنشاء قواعد عسكرية قرب الحدود السورية-الإسرائيلية، والواقع الجيوسياسي قد يدفع دمشق على التفاوض مع تركيا، خاصة مع حاجتها لدعم أنقرة في ملف إعادة الإعمار.
و برأيي أن الموافقة على القواعد التركية قد تفتح الباب لـ”صفقة دولية” تُحوّل سوريا إلى ساحة نفوذ لدول متعددة، بالرغم من أن أنقرة أكدت أن وجودها “مؤقت” ويهدف إلى “حماية الحدود”.
الوضع السوري يبقى هشًّا في مرحلة ما بعد الحرب، حيث تتداخل الأولويات الداخلية مع الضغوط الإقليمية والدولية. و أعتقد أن التحدي الأكبر للحكومة الجديدة هو تحقيق التوازن بين مطالب الشارع الملحّة بالعدالة والخدمات، وترتيب التحالفات دون المساس بسيادة البلاد…
برزت عبر منصات التواصل الإجتماعي عدة منشورات بشأن اتفاقية جديدة تعرضها الإدارة الروسية على الإدارة السورية الجديدة، من بينها امكانية “مسح الديون” و”الدفاع المشترك ضد خطر التقدم الصهيوني”، في المقابل “الحفاظ على مواقعها العسكرية” في الأراضي السورية؟ مامدى صحة هذه المعلومات؟
حتى الآن، لا توجد تصريحات رسمية من الحكومة السورية أو الروسية تؤكد وجود اتفاقية بهذا النطاق الواسع. ومع ذلك، فإن طبيعة العلاقة الاستراتيجية بين دمشق وموسكو تجعل مثل هذه التفاهمات مُحتملة، لكنها تحتاج إلى توثيق دقيق.
و بحسب محللين ومراقبين فإن بنود الاتفاقية المزعومة تركز على عدة نقاط أهمها :
– مسح الديون: روسيا هي أكبر دائن لسوريا، حيث تُقدَّر ديونها بنحو 15 مليار دولار (حسب بيانات البنك المركزي السوري لعام 2022). و في عام 2021، أعلنت موسكو إعادة هيكلة جزء من الديون، لكن لم يُذكر “مسحها”.
– الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية، حيث تمتلك روسيا قاعدتين رئيسيتين في سوريا ، وليس هناك مؤشرات على انسحابها، بل إن موسكو تُصرّ على أن وجودها “بطلب من الحكومة الشرعية”.
– تسليم مسؤولي النظام المخلوع المتواجدين في روسيا والمتورطين بجرائم ضد السوريين وعلى رأسهم بشار الأسد، وهذا ما أستبعده حاليا ضمن الظروف الراهنة وطبيعة العلاقة الهشّة بين روسيا والحكومة الجديدة في سوريا .
ونجد حالياً بأن بعض البنود (كالقواعد العسكرية) واقع قائم، أما البنود الأخرى (كمسح الديون وتسليم المطلوبين) فلم تُؤكَّد، وقد تكون جزءًا من مفاوضات غير معلنة.
هل ترون أن الإدارة السورية منفتحة على التعامل مع روسيا خصوصا أنها شاركت مع النظام السابق في معارك عديدة ضد الشعب السوري؟
– تُواجه الحكومة الحالية انتقادات بسبب محاولات التحالف مع روسيا، التي قامت قواتها بارتكاب مجازر (كقصف المدارس والمستشفيات في إدلب وحلب وبعض المحافظات بين 2015 و2020)، وفق تقارير منظمات حقوقية دولية.
لكني أعتقد بأن الحكومة السورية تتعامل مع هذا الملف بمنطق “الضرورة السياسية”، وعدم خلق عداوات مع أي طرف دولي أو إقليمي، مع ضرورة تسليط الضوء على تصريحات المسؤولين الحاليين بأن هذه العلاقات ستكون ضمن النطاق الدبلوماسي القائم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية .
في النهاية، فإن المعلومات المتداولة عن أي اتفاق غير مؤكدة، لكنها تعكس واقع التفاعل الاستراتيجي الجديد بين دمشق وموسكو، والقبول السوري بالتعاون مع روسيا قد يكون “خيارًا بلا بدائل”، لكنه يزيد من مخاطر تفاقم السخط الشعبي، خاصة في ظل ذاكرة الدم التي لا تُمحى.
أعلن في الأسبوع الفارط تعين أخ الرئيس أحمد الشرع كرئيساً للأمانة العامة في رئاسة الجمهورية السورية، هل ترون في هذا التعيين تكريسا لحكم العائلة مثلما كان عليه الوضع مع عائلة آل الأسد؟
يأتي هذا التعيين للدكتور ماهر الشرع من مبدأ “الكفاءة” و”الابتعاد عن المحسوبية” الذي وعدت به خلال مرحلة الانتقال السياسي، ومن المبكر الحكم على التعيينات الحالية، و إن كانت لأحد المقربين من الرئيس الشرع، ووضعها في مقارنة مع حكم آل الأسد الديكتاتوري والذي اعتمد في تعييناته على دائرة ضيقة طوال خمسة عقود بدون الاستناد إلى كفاءات علمية أو غيرها بل كانت التعيينات حينها تعتمد على الولاء.