“الماضي يعود”.. رؤية اخراجية فلسفية بمتنفس ثوري ينتصر للإبداع
المسرحية من انتاج المسرح الجهوي باتنة واخراج سمير أوجيت
“الماضي يعود” مسرحية من انتاج المسرح الجهوي الدكتور صالح مباركية بولاية باتنة، للمخرج القدير “سمير أوجيت” مقتبسة عن رواية “نهاية الأمس” للروائي عبد الحميد بن هدوقة، كأحد أضخم الأعمال المسرحية التي تحكي نضالا ثوريا تزامنا مع ستينية الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية، ليكون 19 من مارس “عيدا للنصر” ينتصر فيه الابداع الركحي.
تغطية رقية لحمر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احتضن ركح دار الثقافة محمد العيد أل خليفة مسرحية “الماضي يعود” للمخرج سمير أوجيت، وهي المسرحية التي أبانت عن تجربة ركحية ابداعية جديدة، من أداء 12 ممثلا شابا انتصروا لروح الثورة والفن، فكان عملا ناجحا بامتياز رغم بعض العراقيل التقنية التي أرجعت بأنها “بفعل فاعل” لمنع استمرار العرض، لكن قوة الفن والشغف جعلت المسرحية تتوج في العرض ما قبل الأول، أين سيقدم العرض الشرفي الأول بالمسرح الوطني بالجزائر العاصمة.
“المخرج سمير أوجيت”.. المسرحية أخذت مسارا معاصرا من حيث الشكل
يتحدث المخرج سمير أوجيت، عن العمل المسرحي “الماضي يعود” حيث وصفه بأنه عمل إبداعي مدهش من حيث نص القصة، واعتبر أن جمالية النص ما جعله يجسد الرواية لعبد الحميد بن هدوقة على شاكلة مسرحية تقدمهما الشخصيات ركحيا، يقول المخرج سمير أوجيت: “يتمتع عبد الحميد بن هدوقة بحس فني مسرحي، فهو خريج معهد الفنون الدرامية، يكتب نصه الروائي وكأنه يكتب للمسرح، فكان من السهل علي ايجاد نقطة انطلاقة من خلال عمله الروائي، وبمساعدة المبدع الخرافي عبد المنعم بركان الذي استطاع بمخياله أن يقدم صورة للنص في الفضاء بطريقة مذهلة، وقد قام بعمل جبار إلى جانب توفيق بلعيدي الذي استطاع هو الآخر أن يتعامل مع الموسيقى والمكان مستخدمة تقنية الظلال، الأمر فاجأني حقا بوجود مثل هذه الطاقات الابداعية دون أن ننسى القائد ومساعد المخرج مراد أوجيت، الذي قدم تجربة حداثية للمسرح بولاية باتنة وأبانت عن عمل فني معاصر وأيضا المجهودات الجبارة للكاتب علي بوشارب الذي اقتبس العمل من الرواية بطريقة مميزة كما عودنا دائما”.
يروي المخرج سمير أوجيت أحداث المسرحية التي تدور حول شخصية محورية “البشير وزوجته رقية”، حيث يلتحق برفاقه المجاهدين الى الجبل في الليلة التي رزق بها بمولود، ويصاب ويتم نقله إلى ألمانيا ثم تونس ليقرر بعدها اكمال مساره الجامعي بتونس بعد أن كان طالبا بقسنطينة، بعد نهاية الحرب يعود الى وطنه ليتفاجأ بأحداث كثيرة حصلت لعائلته وأيضا طوال ترحاله”، مضيفا أن “المُشاهد للمسرحية سيكتشف الكثير من الأحداث التي يتركها مفتوحة له”.
وأشار المخرج سمير أوجيت أنه تم انتقاء الممثلين من خلال اجراء كاستينغ، الذي توافد عليه أزيد من 180 متنافس، ليتم اختيار وجوه فنية شابة مارسوا المسرح بولاية باتنة منذ الصغر يقودهم الشغف والطموح ويحركهم ابداع سيجعلهم حتما حاملي مشعل المسرح الجهوي بباتنة مضيفا: “فخور جدا بالشباب الذي قدم مجهودات جبارة لإنجاح هذا العمل”.
ورغم عراقيل عديدة تمثلت في مشكلات تقنية، أبى فريق العمل إلا أن يقدمه على أكمل وجه، أين وصف المخرج أوجيت أن “هذه العراقيل بفعل فاعل، لكنه هذا لا يمنع بتاتا من اكمال وممارسة ما نحن بصدد تقديمه”.
الموسيقى وأداء الفنانين.. متنفس آخر بحلة جديدة
يتحدث المؤلف الموسيقي والأستاذ الأكاديمي بالمعهد الجهوي للتكوين الموسيقي توفيق بلعيدي المدعو “عصام” عن الموسيقى التي رافقت العرض المسرحي “الماضي يعود”، حيث أشار إلى أنه “فخور بانتمائه لهذا الفريق المبدع ضمن المسرحية البنائية التي قدمت عدة أدوار داخل الركح، مضيفا: “الموسيقى لا بد أن تساير الرؤية التي يريدها المخرج ومساعد المخرج، اخترنا موسيقى بمزيج من الحزن والأمل الدمار والحب، والفكرة التي ننطلق منها دائما أن الموسيقى لا يجب أن تدعم الممثل، بل يجب أن تكون بشكل موازي مع الممثل، باعتبارها أيضا رسالة وذلك ما يظهر جليا من خلال مشاهد الدمار والخراب ونظرات الممثل لتشكل فضاء من الرسائل التي يجب تلقينها للجمهور”.
وطوال مسيرة فنية لأزيد من 30 عملا مسرحيا كانت بدايته مع المخرج سمير أوجيت سنة 2001 بمسرحية “نهاية ثعلب”، يرى المؤلف الموسيقي بلعيدي أن الموسيقى الخاصة بمسرحية “الماضي يعود” لم تخضع لقوانين كلاسيكية أو رومانسية أو ثورية، بل كانت موسيقى خارجة عن المألوف تماشت مع الشخصيات المكان والزمان الذي جرت فيه أحداث المسرحية.
من جهته يتحدث الفنان “توفيق بخوش” عن دوره في المسرحية، أين تقمص دور “صادق ولد الصخري” حيث وصف الشخصية بأنها سلبية في العرض تخلق صراعا بينها وبين شخصية البشير، باعتبار الصادق ذا نفوذ مالي وسلطوي.
وقال توفيق بخوش في الشأن ذاته: “بعد 10 سنوات قضيتها في التمثيل وراء شاشة التلفزيون والسينما وكمخرج، ها أنا ذا أعود بتجربة جديدة كممثل لأشارك العمل مع طاقات شابة، أنا فخور جدا بعملي معهم، وبإمكانيات رهيبة حقا…نشكر المخرج سمير أوجيت على اتاحة هذه الفرصة والعودة مجددا إلى الركح”.
كما تحدث الفنان يسري لونيس عن تجربته في المسرحية قائلا : “المسرحية من نوع المسرح البنائي، أي شخصية داخل شخصية دون الخروج من الركح، قدمت عدة أدوار في نفس الوقت، دور البشير الصغير وعسكري ورجل عصابات..، التجربة كانت مميزة ورغم غيابي عن المسرح لمدة 5 سنوات إلا أن المسرحية أبهرتني حقا، قدمنا تجربة جديدة ومميزة، وأنا ممتن لمشاركتي في هذا العمل الضخم”.
مشاهد كثيرة قدمتها المسرحية، أين كشف الفنان الشاب “هيثم رجب” هو الآخر، عن تجربته الجديدة كونه تقمص عدة شخصيات داخل الركح، كطالب جامعي في معهد بن باديس والنضال الطلابي قبل اندلاع الثورة وفي فترة الثورة بدور الطبيب الذي يشرف على معالجة البشير بتونس ودور سي رابح الذي يبلغه بأخبار رفاقه الذين التحقوا بالجبل”، مشيرا: “النص وطريقة العمل كانت جد مبتكرة حيث استطعنا أن نتمكن من تقمص أدورانا بشكل مذهل، نشكر القائد مراد أوجيت والمخرج سمير أوجيت على كل ما قدماه لنا من نصائح ومن خبرات جعلت المسرحية تحقق نجاحا مبهرا لها قبل العرض الشرفي الأول لها”.
المسرحية التي أعطت انطباعا جيدا لدى الجمهور المتلقي الذي ثمن الأداء المميز لفريق العمل، استمتع بمختلف المشاهد التي جسدت حقبا تاريخية مهمة للثورة المجيدة، وبمصاحبة الركح له بصور فنية ابداعية، خاصة وأن العمل المسرحي بدعم من وزارة الثقافة والفنون ويندرج ضمن برنامج ستينية الاستقلال واسترجاع السيدة الوطنية.
الجدير بالذكر أن العمل شارك فيه كل من الممثلين حجلة خلادي، هيبة اوجيت، ابتسام وازن، امال وهيبة العمري، عصام خنوش، عز الدين بن عمر، عقبة فرحات، توفيق بخوش، محمد يسري لونيس، هيثم رجب، عماد تعشيت، شاكر بهلول.
ر. ل