يمكن من خلال ما يتم تداوله من أخبار بشأن “الوعي الحقوقي” في الخارج خاصة العالم الغربي أن ندرك مدى غيابه عندنا وكيف أن المواطن يُحصّل حقوقه بكل الطرق المتاحة، ولا يهدأ باله حتى يضمن عوضا ماديا معتبرا ولو بعد سنوات من المتابعات القضائية، علما أن غالبية القضايا المطروحة وبشكل جدي في أروقة المحاكم عندهم يمكن اعتبارها من وجهة نظر كجزائريين غاية في السخف لكوننا نعاني من انتهاكات للحقوق رغم تصنيفها على نحو رسمي مع التوصيات المشددة..
ومن الحوادث التي قد لا تخطر على بالنا ما قام به عشرة أشخاص في أستراليا وذلك برفعهم قضية ضد مطعم “صب واي” والذي يعتبر من أشهر المطاعم بعلامته التجارية واختصاصه في الوجبات السريعة حيث قاموا بقياس طول “السندويتش” واكتشفوا أنه 21 سم بدلا من 22 سم كما يدعي المطعم في إشهاراته وقد دامت القضية والجدل أربع سنوات أسفرت عن حكم أخضع “صب واي” في النهاية لتدفع لهم خمس مائة ألف دولار زيادة عن المستحقات المالية للمحامي، ورغم طرافة ما راج عن الحادثة إلا أنها دليل قاطع وملموس عن احترام المواطن وحقوقه مهما بدت بسيطة ولا معنى لها والقضايا على هذا النحو أكثر من أن نحصيها..
في حين أننا في الجزائر يمكن أن تفقد جميع حقوقك أو يتم انتهاكها تحت مسميات مختلفة دون أن تدرك أنه بإمكانك “أيضا” متابعة كل شخص أو هيئة أو مؤسسة أو أي طرف تسبب في حرمانك من حق هو لك أو تعتبره أنت كذلك، وما هو شائع أن الإدارة الجزائرية في مختلف المؤسسات هي أكثر من ينتهك الحقوق وهذه القضية الشائكة وصلت إلى حد التسبب في مشاكل كبرى للمواطن أو توريطه في متاهات هو في غنى عن متاعبها إن مارست الإدارة عملها باحترافية وتسخير لنظام الرقمنة الذي وضعته الدولة الجزائرية من أجل تسهيل معاملات المواطنين وانشغالاتهم ورفع الحرج عنهم، فما هو شائع أن المواطن عادة ما يعمل عمل الإدارة مخافة أن يطول به الوقت وهو يحاول استخراج وثيقة أو إثبات حالة بتكليفه بالتبليغ أو نقل ملف وما شابه، بينما تضيع حقوقه بسبب تهاون الإدارة في عملها وعدم الجدية بشأنه، ناهيك عن تلك الحقوق التي لا ترقى إلى هذه الرتبة بحكم انعدام هذه الثقافة من جهة ومن جهة أخرى لاعتقاد المواطن بأولوية بعضها عن الآخر بينما تضيع أكثر الحقوق أهمية ومصيرية.. لهذا فإن الوعي يجب أن يرتقي إلى ذلك المستوى الذي يضع كل مُنتهِك أو مستهتر أو معرقل في دائرة المساءلة ولن نتحدث بعدها عن ذلك الحق الذي لن يضيع مادام وراءه مُطالب ومَطالب.
سماح خميلي