
فيروس كورونا، وكما جاء فجأة سيذهب فجأة، وإن كان وباء من أخطر الأوبئة التي شهدها بنو البشر منذ القدم، ورغم العدد الهائل من الضحايا التي حصدها ولا زال يحصدها، وحتى وإن طال فإنه سيبقى وباء لا يمكن أن يستمر مهما كانت درجة خطورته ومهما كانت وحشيته، لكن الأمر الذي لا يجب أن نغفل عنه هو أن فيروسا لا يرى بالعين المجرد قد تمكن من فضح وتعرية حقيقة أن العالم صغير جدا، وأن لا حول ولا قوة لأحد مهما كانت قوته ومهما كانت درجة جبروته ومهما عظمة سلطانه، خاصة عندما يتعلق الأمر بدول لا هي تمسكت بالعقيدة والدين ولا هي تشبثت بالعلم ولا هي احتكمت إلى الأخلاق ولا هي استغلت ما أتاها الله من امكانيات.
الجزائر، وإن كان المسؤولون فيها من أصغرهم إلى أكبرهم قد عكفوا على مدى سنوات على تحريف وتزييف الحقائق وعلى تقديم الأرقام والإحصائيات “غير الصحيحة” وغير الدقيقة إلا أن فيروسا قد تمكن من أن يثبت لنا صراحة بأننا لسنا جاهزين ولسنا مستعدين لإنقاذ أنفسنا بأنفسنا، ولسنا جاهزين ولسنا مستعدين حتى لأن نوفر “فضاءات حجر صحي” لأكثر من مائتي حالة “ضربة وحدة”، أي أن بلدا بحجم الجزائر لا يمكنه حتى الصمود أمام “فيروس” لمدة أربع وعشرين ساعة لو أن الفيروس قد انتشر عندنا بالطريقة وبالفظاعة التي انتشر بها في بلدان أخرى، ولهذا فإن ما يجب فعله الآن هو أن نعيد النظر، وعندما نتحدث عن إعادة النظر فإننا نقصد إعادة صياغة كل سياساتنا في كل القطاعات والمجالات، فالمسجد الأعظم الذي تم تشييده من أجل “المنفخة” ما كان لينفع لو أن الجزائر قد وقعت في التخبط الذي وقعت فيه إيطاليا وفرنسا وإيران بسبب فيروس، ففي نهاية الأمر “منعت الصلاة في المساجد” وأصبحنا نتمنى لو أن لدينا مصباح “علاء الدين” لنفركه فيخرج إلينا المارد ونطلب منه بناء “مستشفى” يكفي على الأقل لاستقبال الحالات الحرجة والتكفل بها وفق شروط الوقاية والسلامة الضرورية.
كنا فعلا نبني ونشيد ونسير من “أجل المنفخة” ومن أجل “أن نتباهى” ومن أجل أن “ندشن”، لهذا فعلينا أن نغير هذه السياسة ونبني ونشيد من أجل أن “نكون جاهزين لأي طارئ”، فالجزائر بمساحتها تكفي لبناء أكثر من مستشفيين بمقاييس عالمية، والدولة الجزائرية بإمكانها تشييد مشفى “خاص بالأوبئة” فقط، وإن كانت سياسة الجزائر الجديدة مؤسسة على التكيف مع المتغيرات في العالم فإنه لا مجال لإثبات حسن النية سوى بالاستعداد لمواجهة أزمات شبيهة بوباء كورونا، فقد لا نحتاج لمصالح استعجالات أكثر مما سنكون بحاجة “لمستشفيات خاصة بالأوبئة” أي مستشفيات بعتاد “ذكي” وأطباء مختصين متمكنين كل في تخصصه، فربما بات العالم مقبلا على نوع جديد من الحروب قد لا نستطيع مواجهتها “بالتمني والدعاء” ولا نستطيع مواجهتها بالحملات التحسيسية، فنحن بحاجة لبناء حقيقي، خاصة بناء الإنسان، ونحن بحاجة لمن يعمل ولسنا بحاجة لمن “يغرد” خارج السرب.
حمزه لعريبي