
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعتبر قضية اختطافه واغتياله واحدة من ملفات الذاكرة التي ستؤكد على همجية فرنسا الإستدامرية
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
درسنا كثيرا عن طغاة وجبابرة مروا على تاريخ الإنسانية والبشرية وتفننوا فيها في أساليب التعذيب والقتل، ولنا في قصص القرآن عبرة فمنها حكاية ماشطة ابنة فرعون التي أعدمت بإلقائها وأبنائها في الزيت المغلي، أو قصة أصحاب الأخدود الذين أعدموا وحرقوا، وقد ينوح اليهود في كل سنة في ذكرى لمحرقة الزعيم النازي هتلر على الرغم من أنهم أعادوها في أول فرصة سنة لهم وأقاموا حرب إبادة بغزة، هذه قصص رسمت ملامح الإنسانية والبشرية تعاقبت عليها السنون ولكنها وقت كلها أمام الثورة الجزائرية التي لخصت كل تلك القصص وروتها بأسماء أبطال جزائريين.
فقصة ماشطة ابنة فرعون أعادها تاريخ الجزائر حيث حل الشيخ العلامة العربي التبسي محل الماشطة وحل زبانية الجيش الفرنسي المستدمر محل فرعون وجنده، وبالعودة لتفاصيل الحادثة ففي اليوم الرابع من شهر أفريل سنة 1957 حيث روى الباحث أحمد عيساوي حكاية أسندها عن المجاهد أحمد الزمولي عن إبراهيم جوادي البوسعادي الذي كان ضمن تشكيلة القبعات الحمر وحضر معهم يوم اختطاف الشيخ من بيته، كما حضر مراحل إعدامه وكان منظر الإعدام سببا في التحاقه بالمجاهدين كما ذكر، وجاء في هذه الرواية أن جنودا سيناغاليون تابعون للجيش الفرنسي تكفلوا بتعذيب الشيخ العربي التبسي والشيخ بين أيديهم صامت صابر محتسب لا يتكلم إلى أن نفذ صبر “لاقايارد” -قائد فرقة القبعات الحمر-، وبعد عدة أيام من التعذيب جاء يوم الشهادة حيث أعدت للشيخ برميل كبيرة مليئة بزيت السيارات والشاحنات العسكرية والإسفلت الأسود وأوقدت النيران من تحتها إلى درجة الغليان والجنود السنغاليون يقومون بتعذيبه دونما رحمة وهو صابر محتسب، ثم طلب منهم لاقايارد حمل الشيخ العربي التبسي، فحمله أربعة من الجنود السنغاليين وأوثقوا يديه ورجليه ثم رفعوه فوق وعاء من الزيت المغلي المتأججة وطلبوا منه الاعتراف وقبول التفاوض وتهدئة الثوار والشعب، والشيخ يردد بصمت وهدوء كلمة الشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم وضع قدميه في وعاء الزيت فأغمي عليه…ثم أنزل شيئا فشيئا إلى أن دخل بكامله فاحترق وتبخر وتلاشى.
رواية وفاة الشيخ العلامة العربي التبسي وإن لم يتم تأكيدها أو تفنيدها من قبل أي جهة أو طرف سواء كان جزائريا أو فرنسيا خصوصا أن قبر وجثة الشيخ مفقودان منذ وقتها ما أكد للجميع صدق راويها، تبين وحشية وهمجية المستدمر الفرنسي الذي يتفاخر ويتباهى أمام العالم بمكتسبات الثورة الفرنسية مخفيا وجهه القبيح الذي سينتج بعد أن يتم التفاوض على ملف الذاكرة لتسقط الأقنعة ويعلم العالم حجم فرعنة الفرنسيين، ففي آخر بيانات رئاسة الجمهورية إثر اتصال ماكرون بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي اتفقا من خلاله على ضرورة استأناف اللجنة المشتركة للمؤرخين عملها بشكل فوري بخصوص ملف الذاكرة العالق بين البلدين منذ الإستقلال.
ملف الاختطاف القصري والذي تلته تعذيب واستشهاد الشيخ العربي التبسي بطريقة أقل مايقال عنها أنها وحشية، لا يزال معلقا من 68 سنة، يكتب بها ورقة سوداء أخرى في التاريخ الدموي الفرنسي والذي لا يسقط بالتقادم، لينغص عليهم عيشتهم حيا وميتا.
رضوان غضبان