الســــــنوار.. يرحل على طريقة “موت واقف يا علي”
نهاية مقاوم زجّ بملايين الصهاينة في الملاجئ والجحور
لخّص رحيل رئيس حركة حماس “يحي السنوار” فصلا كبيرا من قصة فلسطين مع المقاومة المتواصلة إيمانا بعدالة القضية واسترجاع الحق الفلسطيني المغتصب منذ نكبة العام 48 واختار السنوار أن يموت قائدا حربيا ميدانيا على أن يفاوض أسيرا تحت شروط الإملاءات واختلالات موازين الحرب التي جعلت من غزة صورة مختصرة لعنوان الخراب والدمار في العالم الحديث، فجاء سقوط أبو “إبراهيم” في ساحة الشرف ليخط بوضوح استمرارية المقاومة وأنها ستنهض حتى من تحت الأنقاض.
عبد الرحمان شايبي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخلاف ما روجت له الآلة الدعائية الإسرائيلية الرهيبة حول تفاصيل حياة رئيس حركة حماس يحي السنوار في صورة “الهارب” داخل الأنفاق والمتنقل متخفيا تحت الأرض أسقط استشهاد أبو “إبراهيم” الخميس الفارط زيف وفبركة الروايات الصهيونية ومن يسبح في فلكها وأثبت أنه “مقاوم” فوق الأرض حتى الرمق الأخير من حياته.
وتعدى سقوط السنوار الإطاحة بالآلة الدعائية ليمرغ معها الترسانة الاستخباراتية التي لم تلتقط أدنى مؤشرات حول حقيقة هويته حتى وهو يجابه دبابات العدو وجها لوجه، و”يهش” عنه المسيّرة التي التقطت آخر صوره بعصا هي آخر ما تبقى من سلاح في جعبته.
وألقى خبر مقتل رئيس حركة حماس بظلال كبيرة حول صحة ومصداقية “الاختراقات” الأمنية التي حققتها حكومة الكيان في تصفية رموز المقاومة خلال الأسابيع القليلة الماضية في فلسطين ولبنان وعلى الأراضي الإيرانية بتلك الدقة المتناهية في العمل الاستخباراتي على صعيد رصد وتتبع الأهداف، في الوقت الذي عجزت فيه جميع الإنجازات والإحداثيات والخوارزميات المتقدمة عن التعرف إلى شخص “السنوار” وهو يحارب رفقة ثلة من زملائه من داخل القطاع المنهار و”المُباد”؟ وفي “تل الهوى” شرق رفح تحديدا، بكل ما يحمله المكان من رمزية في معادلة الحرب الدائرة في القطاع.
وتكشف الرواية التي نشرتها إذاعة جيش الكيان جوانب عديدة في ما جرى على الأرض قبل أول أمس بالبناية التي سقط داخلها السنوار في شارع ابن سينا شرق رفح.
وأشارت التقارير الإسرائيلية إلى رصد تحركات ثلاثة مقاومين داخل مربعات تل الهوى في مدينة رفح، سرعان ما دخلوا في اشتباكات مع جنود الاحتلال ما استدعى الاستعانة بالآليات الكبيرة التي أطلقت قذيفة فرّقت على وقعها المقاومين الثلاثة في اتجاهات مختلفة، حيث تم رصد دخول أحدهم مبنى في آخر زاوية من شارع ابن سينا وقام بإلقاء قنبلتين يدويتين على الجنود الذين لاحقوه قبل تدخل آلية عسكرية قصفت المكان بقذيفة وتعقبته بمُسيّرة دخلت المبنى والتقطت صور شخص “ملثم” ينزف وهو جالس على الأريكة، ألقى بعصا على المسيرة التي بدى عليها الإرباك رغم أنها تُقاد من مسافة بعيدة وآمنة خارج البناية المنهارة، وهنا عاود الجنود الاستنجاد بدبابة وجهت قذيفة ثانية باتجاه البناية فسوتها بالأرض وأُردت الشخص الجالس على الأريكة قتيلا، والذي تبين لاحقا أنه لم يكن سوى رئيس حركة حماس وقائد المقاومة في قطاع غزة “يحي السنوار”.
وأخرج الخبر المدوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من مخبئه تحت الأرض لإطلاق تصريحات إعلامية حاول التباهي فيها بتصفية السنوار، غير أن الكم الهائل من الأسئلة التي أحاطت بالواقعة طغى عن تصريحات نتنياهو لأنه لا أحد كان يعلم هوية الرجل الملثم الجالس فوق الأريكة وأن مقتل زعيم المقاومة في غزة تم بعيدا عن “اجتهاد” الترسانة الاستخباراتية وعن دوائر النخبة في الجيش الإسرائيلي، وهو ما شكل سقطة مدوية للكيان من شأنها أن تعيد الحسابات حول الحقيقة والكيفية التي تمت بها تصفية أغلب أسماء الصف الأول في محور المقاومة على امتداد الشهرين الماضيين.
وتلقت حركة حماس الخبر بوصفه “فاجعة” لكنه أبدا لن يكون نهاية للحركة ولا لخيار المقاومة التي قال رئيسها الجديد “خليل الحية” أنها باقية ومستمرة حتى وقف العدوان وبلوغ النصر بتحرير فلسطين التي دفع يحي السنوار والآلاف من رفاقه حياتهم ثمنا للحرية.
وينعكس سقوط يحي السنوار على جوانب عديدة في مجريات الحرب والعدوان الجاري على القطاع سيما ملف الأسرى الذي كان “الفقيد” يمسك كامل خيوطه بيده، حتى في عهد رئيس الحركة السابق في القطاع إسماعيل هنية.
وتجلى هذا الانعكاس سريعا بعودة الحديث عن بعث مفاوضات جديدة لملف الأسرى وعودة الوسطاء إلى دائرة الأضواء التي قد تشعلها زيارة مرتقبة الأسبوع الجاري لوزير خارجية أمريكا إلى المنطقة.