يحزم ولاة الجمهورية في طريقهم إلى العاصمة للقاء الحكومة نهار اليوم “كشوفات” عمل فصلية تُدوّن نتائج أداءهم، كتلك التي عاد بها تلاميذ الأطوار الثلاثة إلى بيوتهم من أجل وقوف أوليائهم وذويهم على النتائج والتقييم، غير أنه في حالة الولاة فإن “أولياء الأمر” في الرئاسة والحكومة قد يمددون عملية التقييم إلى “التقويم” ولو عبر التلويح بـ “سيف الحجاج” بحكم أن مسألة الخطأ أو التراخي في الأداء غير مسموح بها في عهد الجزائر الجديدة، ما يجعل من “ضيوف” الحكومة أمام امتحان آخر لا تضمن نتائجه سوى معدلات التشمير على السواعد وضرب “الركبة” في الميدان.
عبد الرحمان شايبي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحتكم التقليد السنوي في لقاء الحكومة / الولاة هذه المرة إلى معايير غير مسبوقة ينحصر فيها الكلام والحديث لصالح المشاريع والانجازات، مثلما تتسابق فيه الإدارات المحلية من أجل تقديم حصيلة “مقنعة” حيال ما تلقته من أوامر وتوجيهات وتنبيهات من أعلى قيادة في البلاد لضمان استمرارها ضمن نسيج الدولة، وتحرير مناصبهم الوظيفية على طريقة “تشميخ” لاعبي كرة القدم قمصانهم من أجل لفت انتباه “الكوتش” كلما حان موعد ضبط القائمة النهائية قبل خوض أي مواجهات حاسمة.
ويجد الولاة في لقاء اليوم، ويوم غد مع الحكومة بنادي الصنوبر رسائل “تحفيزية” تُلخصها صورة “زميليهما” السابقين في وهران، وسكيكدة وقد ارتقيا خطوة إلى الأمام وأصبح يحجزان مقعديهما في صفوف التشكيل الحكومي الجديد على رأس مقدمة الصفوف التي تتلقى خطاب السيد رئيس الجمهورية بالمناسبة، لكنهم سيستذكرون أيضا زملاء آخرين كانوا إلى آخر لقاء العام الماضي حاضرين بينهم، يبادلونهم أطراف الحديث واحتساء الشاي على صوت القهقهات في استراحة قصر الأمم وقد رحلوا اليوم بلا رجعة بعدما استغنت السلطة عن خدماتهم في شكل إنهاء مهام عشية الحركة الجزئية التي مست سلك الولاة مطلع نوفمبر الماضي، ويتوجس كل من نجا منها وسط الحاضرين أن تنتقل “عدواها” إلى صفوفهم دون سابق إشعار.
غير أن الصورة لن تكون قاتمة في مجملها، لأن عددا من الولاة سيجدون في معرض الإنتاج الوطني في طبعته 32 والذي تتواصل فعالياته بجوار لقاء الحكومة/ الولاة فرصة في خطف الأضواء نظير ما قدموه من تسهيلات وإغراءات للاستثمار الخاص، ساهمت في ارتقاء جزء من المنتوج الوطني إلى مصاف العالمية، مثلما حظي فيه هذا الإنتاج الصاعد بتقدير رئيس الجمهورية وإشادته الشخصية، حينما أشرف على افتتاح النسخة الحالية من معرض الإنتاج الوطني بقصر المعارض نهاية الأسبوع المنصرم.
وبالعودة إلى تفاصيل اللقاء المرتقب نهار اليوم، ويوم غد بنادي الصنوبر فإن “أجندة” السلطات العليا واضحة في عناوينها، كما في تعليماتها وتنبيهاتها، حيث تقوم على ترسيخ مكانة المواطن وتذكير المجتمعين بكون هذه المكانة “خط أحمر” في عمل الجهاز التنفيذي وممثليه عبر ولايات الجمهورية، بجانب تحريك ماكينات الاقتصاد والدخول في حركية اقتصادية تجعل من الجزائر بمثابة ورشة مفتوحة أمام الطاقات والإرادات البناءة التي تؤمن بأن “قدَر” البلاد مرتبط بالصعود إلى القمة، وأن تسيُد القارة وتولي قيادة قاطرتها الاقتصادية مسألة وقت فقط، يمكن اختصار آجاله الزمنية كلما كان التلاحم والإيمان بـ “الجزائر المنتصرة” يرقى إلى مستوى “عقيدة” نضالية وإستراتيجية وطنية ينصهر الجميع في صناعتها ويجتهد على بلورتها.
ويأتي دور الولاة هنا ليكون بمثابة الورشة المشرفة على تأهيل البلاد ودفعها إلى الأمام.
وسيجد التقرير النهائي للجنة وزير الداخلية الأسبق دحو ولد قابلية “نصيبه” داخل ورشات النقاش على هامش اللقاء، في إطار ترقية دور البلدية والولاية على التناغم أكثر في جبهتي الاقتصاد، وتحريك التجارة، وكذا تعزيز المنتوج المحلي في الفلاحة التي تنتظر هذه السنة تحديات تحقيق الاكتفاء الغذائي في أكثر من شعبة، وحماية قوت الجزائريين من أي أزمات طارئة، بجانب قطاع الصناعة الذي التزم رئيس الجمهورية في حملته الانتخابية بوضعه فعليا على سكة الإقلاع والاكتفاء من تناوله في شكل تقارير وتوصيات ورقية تنتهي في كل مرة إلى الحفظ والتخزين داخل أدراج المكاتب عوض نقلها إلى الميدان.
2024/2025 من رفع التحديات إلى كسب الرهانات..
من جهتهم، سيجد ولاة الجمهورية متسعا في حقائبهم لنقل انشغالات مواطنيهم إلى قصر الأمم، مثلما سيجدون الفرصة سانحة في طرح أفكارهم واقتراحاتهم، وكذا رؤاهم من منطلق تجربة ما عاينوه خارج مباني مكاتبهم، وما تلقوه من المواطنين وممثلي المجتمع المدني سواء بشكل مباشر، أو في صورة رسائل وشكاوى تتقدمها معضلة الشعب الأولى في السكن والتوظيف والنقل والصحة والتعليم وغيرها من المجالات التي وإن عرفت تحسنا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، فإن استمرار بعض “القلاقل” يُبقي على اجترارها في كل مناسبة أو من دونها.
غير أن بيت القصيد في لقاء الحكومة/ الولاة هذه السنة سينصب حول مشروع التقدم في الرقمنة وطي هذا الملف في أكبر عدد ممكن من القطاعات، مناصفة مع ملف الاقتصاد في شق المؤسسات الناشئة بعدما أدركت السلطات العليا أن الأخيرة تشكل محور الانتقال الفعلي من البحث عن الوظيفة إلى خلق الثروة، وفق ما كشف عنه التجمع الإفريقي للمؤسسات الناشئة الذي احتضنته الجزائر قبل شهر من الآن، ومنح فكرة واضحة وراسخة حول أفق هذا النمط الاقتصادي الجديد في الجزائر، وفي أغلب دول الاقتصادات الناشئة، الأمر الذي سيرشح الشباب ومهاراتهم المعرفية والتكنولوجية لحجز العنوان الأبرز من لقاء قصر الأمم اليوم وغدا.
وتحمل السنة المقبلة 2025 تحديات جمّة أمام ممثلي الهيئة التنفيذية على مستوى الولايات، بعدما اختارت السلطات العليا رفع الرهان الاقتصادي في كسب معارك الأمن الغذائي والأمن الطاقوي والأمن المائي خلال السنة الجارية وتعزيز المنظومة المصرفية والبنكية بمزيد من الليونة والمرونة في استقطاب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية والتحسين أكثر فأكثر من مستوى المناخ العام للاستثمار في البلاد، مستفيدين في ذلك من خدمة الأرقام “الطيبة” التي تنشرها التقارير الصادرة عن أكبر المؤسسات البنكية والهيئات المالية الدولية.
وغيرها من الرهانات الهامة التي يتوقف جزء كبير من نجاحها على مستوى أداء الهيئة التنفيذية داخل الولايات، والتي لطالما وظفتها الحكومات سابقا في لعب دور كاسحة ألغام أثناء شق طريق برامج التنمية باتجاه العمق، مثلما لعبت بجانب مؤسسات أخرى منها الدوائر والبلديات على مدار عقود دور واقي الصدمات “بارشوك” في امتصاص مختلف الصدامات الاجتماعية والاحتجاجات الشعبية.
إلى ذلك، تضغط أجندة عمل السلطات العليا في اتجاه التعجيل بـ “تقديم الحساب” وعدم ربط جدول التقييم والمساءلة بموعد نهاية العهدة الثانية أفق 2030، ونقلها بدلا من ذلك إلى منتصف العهدة الرئاسية كأقصى تقدير، وفق ما تشرحه التزامات الرئاسة بخصوص الانتهاء من أشغال الانجازات الكبرى أواخر 2026، وبلوغ مداخيل 400 مليار دولار أفق 2027، وغيرها من التواريخ التي ستدفع الوافدين على قصر الأمم إلى الحجز سريعا على رحلات العودة والالتحاق بمكاتبهم فور نهاية اللقاء، بحثا عن رأس الخيط في تجسيد مخرجات لقاء الحكومة، وتنفيذ توصيات الرئاسة التي يرى متابعون أنها لن تترك أمام حجم التحديات والمسؤوليات أدنى فسحة لـ “المدعوين” في الاستمتاع بأجواء الـ “شوبينغ” في عاصمة البلاد، أو حتى متسعا لتوديع بعضهم البعض وتبادل تبريكات الـ “بوناني” أياما قليلة من حلول السنة الجديدة.