ثقافة

الدكتور “اليمين بن تومي”: “الكتابة واجهة لعبقرية الجزائري والنص دافع للتاريخ”

اعتبر، الدكتور اليمين بن تومي الكتابة فعلا عبقريا لجأ إليه الجزائري لترك أثر مادي حاسم، يشهد ضد الوجوديات الاستعمارية، وتؤسس لكونها “استعماريات عارضة تشوه الثقافة الأصيلة والرصينة التي “تملك مرجعيتها الثقافية داخل النص”، وهو ما يحيل إلى التأكيد على واقعية “لا إقامة للاستعمار”.

وقد جاء ذلك، ضمن ندوة قيمة حاك الدكتور بن التومي أول أمس ضمن فعاليات برنامج المعرض الوطني للكتاب المقام بقاعة أسحار بباتنة، تفاصيلها المضمخة بالتأريخ والقراءة التحليلية بالدلائل لمختلف النصوص التي تبنت فكر المقاومة منذ الأزل، والتي كانت الجزائر وأعلامها معقلا لها، أين أكد المحدث على كون الكتابة لدى الجزائريين منذ الأزل فعل مقاومة كما تعد واحدا من تجلياتها الفكرية والأدبية، مبينا أننا “كتبنا في التاريخ لنقاوم ضد الاستعمارات المختلفة التي تراكمت على جغرافيتنا”، معززا هذه الرؤية بـ “الإشارات” التي تجلت لديه عند قراءته لعديد الكتب، والتي “فضحت الأساس المعرفي والثقافي للاستعمار” ما أدى إلى الإيمان المطلق بالمسألة الجزائرية التي كانت محجا للكثير من الكتاب في العالم ودافعا لهم أيضا، على غرار جون بول سارتر الذي يقال وحسب الدكتور، أنه كتب وناقش أفكارا تحت ضغط المسألة الجزائرية، حتى “أن كتابه “عارنا في الجزائر” هو إعادة تصويب للخطيئة التي ارتكبها هذا الاستعمار في التاريخ باضطهاده للإنسان”، وهو ما يؤكد من قيمة ومكانة الجزائر والتي تجلت منذ البداية في التاريخ القديم مع كتاب “الحمار الذهبي” لأبوليوس الذي يعد “أول رواية للإنسانية” بحسب مقدمه ومكتشف وثيقته “أبو العيد دودو”، حيث يعتبر “أكثر النصوص مقروئية في ثقافة القرون الوسطى، لأنه نص مصحح لمسار اعتقادي وثقافي” إلى غاية اليوم، بما يبين تراكم “عدد مهول من النصوص” في الجزائر بين ما تم اكتشافه ودراسته وبين ما ينتظر قراءته وتحليله وإعادة من خلالها طرح المسألة الجزائرية وتعديل الوضع التاريخي الكلي من قبل عقول جبارة تبعا لعمق هذه النصوص الجزائرية الأصيلة، وقد أعاب الدكتور اليمين انعزال الجزائريين عن القراءة، ورضوخنا لسيطرة قراءة الأغْيار، وقد أسست الجزائر بحسبه وفقا لإدوارد سعيد وغيره، لـ “رؤية معرفية تحاول أن تفكك لعبة الإمبراطورية والكولونيالية من الداخل، وهو ما يثبته بافتخار هذا الكم الرهيب من نصوصنا التي كتبت”، مما يدل على أن أجدادنا كانوا واضحين وثاقبين في نهجهم في نقد الإمبراطورية، ما يعني أن النزوع للمقاومة قديمة وليست أمرا جديدا ولن تهدأ كونها بينة جينية داخل الإنسان الجزائري، “غير أنها تحتاج إلى من يفكك كروموزوماتها ولبناتها من أجل أن نصل إلى فهم عميق لتركيبة هذا الإنسان والبلد”.

وبتتبع للمسألة الجزائرية، “سنكتشف أن النص هو الذي يدفع التاريخ” تبعا لما أوضحه ميشال فوكو في نسبه لظهور “دون كيشوت” إلى العالم إلى النصوص التي قرأها، وبالتالي فـ “النص يدفع الشخص في التاريخ لتكون له سلطته وهيمنته ورؤيته”، ما يجعل من الشخصية الجزائرية كما يقول بلقاسم نايت بلقاسم “شخصية نصوصية لم تتكلم مشافهة وإنما ترجمت الثقافة إلى بعد كتابي وبنية نصية تحتاج إلى البحث فيها”.

وعطفا على المسألة الجزائرية التي كتب عنها الغرب على غرار ميغال سارفانتس الذي فصل فيها بإسهاب في كتابه “سجون الجزائر” بعد أن أعطى “الجزائريون تلميحات عميقة فلسفية وثقافية داخل نص “دون كيشوت”” الذي جاء بعد الحمار الذهبي بفارق زمني كبير، ما يعيد الفضل للمسألة الجزائرية في “إعادة ترتيب العقلانية الغربية وكل الفقه الثقافي حول مسألة النص والتاريخ”، فبحسب إدوارد سعيد فإن النص في الجزائر كتب من منطلق ثقافة المقاومة بعيدا عن الطبقية وثقافة التوادُد.

“النظرية والمقاومة” إعادة إحياء للثقافة النصوصية وربط للمقاومة بالتاريخ

وهو ما دفع بالدكتور اليمين بن تومي مؤخرا إلى إصدار كتابه “النظرية والمقاومة” الذي يتحدث فيه عبر أكثر من 500 صفحة عن مرجعية المقاومة في التاريخ النقدي، من خلال دراسته لما يناهز 15 نصا جزائريا، بمنهجية متعددة الاختصاصات بين السيميائية وعلم الاجتماع وعلم التاريخ وغيرها، بغية إعادة إحياء الثقافة النصوصية، باعتبارنا “أمة نصية تفهم وتنفهم وتتفاهم داخل الرؤية التوالدية”، وقد جعله رفقة مؤلفه الآخر “إشكالية التحقيب الثقافي في الجزائر”، ردا على اتهامات غياب نصوص أو كتابة في الجزائر، حيث يحيل عبرهما الكاتب “ارتباط النص بحركة المقاومة في التاريخ وإعادة التعديل الثقافي عبره، وكيف قدمت الجزائر نفسها صورة للثقافة الأصَلانية أو الأهَلانية أو كيف قدمت نصوصها في التاريخ”.

رحمة. م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.