مواسم البوح

الخروج من البالونة

قصة

صوت بائع الأنابيب يعلو وكأنّه داخل الغُرفة، ساعة الحائط تشير إلي السادسة ونصف صباحاً، أشعر بخفّة جسدي، نعم أُحس بجسدي خفيفاً علي غير العادة، أكاد أطير وكأنّ قدماي لم يلامسا الأرض وأنا أمشي فوق بلاط الغرفة، لا أعلم سبباً حقيقيّاً لذلك حتى الآن، ولكنّي أشعر بسعادة تملأ رئتيّ هواء نقي ومِزاج رائق وخُلق طيّب، تداعبني زوجتي علي غير العادة أيضا بدلال يوقظ رغبة استكانت تحت حجري رحى الأيام ومسئوليات الحياة والركض خلف لقمة العيش، يبدو أن ملائكة الصباح أخبرت زوجتي بشيء جعلها تمشي وكأنها راقصة باليه تتنقل في خفّة هي الأخرى بين الغرف، ترتب وتنظف وتردد أغنيات الصباح الإذاعية:

(يا صباح الخير يا للي معانا ..)، كنت متفائلاً ومتيقناً من صرف المرتب اليوم، رُحت أمزّق في شيء من العبث آخر مائة جنيه كنت أحس معها بدفء الكون من حولي، ولكنّها الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، يا لها من كارثة، هي بالفعل كارثة، لم يتبق من المائة جنيه إلا عشرون جنيها فقط، عشرون جنيها لا تكفي لأي شيء (مصاريف الدروس وفاتورة الكهرباء التي تركها المحصّل اليوم ..)  لقد وعدت زوجتي بالكثير ..

أحدّث نفسي وأنا أجر أذيال خيبتي مطأطأ الرأس وكأني أتيت من أسر معركة خاسره، لقد تبخّر كل شيء، الوقت يمر والشمس تدق مسمار قسوتها في فروة رأسي هي الأخرى، تكالبت الظروف على طفل هذا الصباح البريء الذي كان يحمل على أكتافه براعم ورود جميله، تشققت الأرض من حوله، لا ماء ولا ساقي، لم يعد أمامنا للخروج من بالونة اليأس سوى أن نجمّد حياتنا اليوم وغداً، أشعر بدوار وأكاد أتقيأ، قلبي ينتفض كعصفور ذبيح على قارعة الطريق، الدماء تسيل ويغيب الصوت المغني، تتقيّد البهجة في رباط الصمت، حتى يعود من عالمه على وقع حادث في الطريق وهو يقول: الحمد لله أنني لست متزوّجاً ولديّ أطفال ولم أكن ذلك الرجل الذي يقف أمامي يحدّث نفسه، ويوشك أن يحتضن ماكينة الصرّاف الآلي، وقد انفرجت أسارير وجهه بصرف راتبه .

مراد ناجح عزيز/ مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.