
بالرغم من العنجهية والغرور والتجبر وكل الصفات النابعة من رغبة ترامب الملحة في إظهار قوة الدولة التي يرأسها ويمثلها أمام كل دول العالم، إلا أن الجانب الآخر من الرئيس الأمريكي قد أظهر لنا فعلا بأن قناعات ترامب “الداخلية” تتفق تماما مع ما تقتضيه النواميس البشرية، وتتفق مع ما يجب أن تكون عليه شخصية الفرد السوية بغض النظر عن الجنسية والعرق والدين.
في إحدى المقاطع المتداولة، ظهر ترامب وهو ينصح “طفلا” يرجح أنه ابنه “بارون عندما كان صغيرا”، أين قال له بأنه لا يريده أن “يشرب الخمر ولا أن يدمن الكحول، ولا يريده أن يدخن السجائر ولا يريد حتى أن يرى عليه أوشاما”، هذا ما قاله ترامب لطفل صغير رغم أن للروجي استثمارات في القمار، وفي مقطع فيديو آخر ظهر ترامب قبل تنصيبه في العشرين من الشهر المنصرم وهو يتوعد بتوقيع قرار بإنهاء جنون المتحولين الجنسيين، وقد فعل ذلك بمجرد تنصيبه، ولا شك أنه قد اتخذ القرار بعد قناعة بأنه لا يليق بدولة “يراها عظمى” أن تتم الإساءة إليها بسلوكات غير سوية وظواهر مشينة.
إن أقوال ترامب، وقراراته وهو رئيس دولة ينظر إليها على أنها مثال التقدم والحضارة في العالم لهو أمر يدعونا للتفكير مليا بأن الحضارة ليس بالضرورة أن تتعارض مع الأخلاق، وقوة الدولة ليس بالضرورة أن تتعارض مع مجتمع “سوي صالح”، بل على العكس، فالحضارة تتقاطع مع الأخلاق، وقوة الدولة مرهونة بصلاح المجتمع بها، لأن فساد الأخلاق، في أي مجتمع هو تمهيد لانهيار الدولة، لأن الدولة التي لا تحكمها الأخلاق، ولا يكون مجتمعها صالحا هي دولة آيلة للزوال، فالأخلاق هي الضابط الأول للدولة، والمجتمع الصالح هو الحصن المتين الذي يمنع كل مساعي الاختراق.
المؤسف هو أن الكثير من مجتمعات العالم الثالث قد أساءت فهم الحضارة، وأساءت فهم التقدم والتطور، فبات كل من يرغب في إظهار نفسه بمظهر المتحضر يتخلى أول شيء عن “الأخلاق”، وبات كل من يرغب في إظهار نفسه على أنه “فاهم وابن دولة” يبتعد عن تعاليم “الدين” التي هي مستمدة أصلا من “أسس الصلاح”، فهل فهم ترامب وهو رئيس “دولة الحضارة والتقدم والتطور والازدهار” ما لم يفهمه البعض في مجتمعات “تعاني على كافة الأصعدة”؟
سمير بوخنوفة