
الجزائر تُثير خلافا قويا في حكومة فرنسا !
وزير الداخلية الفرنسي: "الجزائر جرحت كبرياء فرنسا ويجب إلغاء قانون الهجرة"
تتباين الآراء الفرنسية خلال الأزمة الدبلوماسية الجزائرية ـ الفرنسية بين نداءات للتهدئة ودعوات للتصعيد، وفي آخر تصريحات أبرز المسؤولين الفرنسيين، كرّر برونو روتايو وزير الداخلية الفرنسي تصريحاته العدائية ضد الجزائر وشدد على ضرورة الرد بقوة على ما اعتبره “إهانة” جزائرية لفرنسا، وحل روتايو الذي صنع الحدث قبل أيام عندما أكد أن “الجزائر تُحاول إذلال فرنسا” ضيفا على قناة BFMTV ليُكرر تصريحاته العدائية ويُناشد الرئيس إيمانويل ماكرون لاتخاذ إجراءات دبلوماسية أكثر جرأة وقوة ردا على الموقف الجزائري حيال بعض المواضيع الداخلية التي لا يحق لفرنسا التدخل فيها.
وطالب روتايو بضرورة إعادة النظر في “اتفاقية الهجرة” الشهيرة مؤكدا أن فرنسا ليست مُجبرة للخضوع بهذا الشكل، وتمادى روتايو في حديثه عن الأزمة الدبلوماسية حين أكد أن “بلدا مثل الجزائر لا يُمكنه مُهاجمة بلد مثل فرنسا” ـ على حد قوله ـ ، غير أن الواقع يقول عكس ذلك ويؤكد في كل مرة أن الجزائر دولة ذات سيادة ولا يُمكن بأي شكل من الأشكال أن تخضع للقرار الفرنسي سيما إن تعلق الأمر بإجراءات قانونية على مواطنين جزائريين مثلما هو الحال مع الكاتب بوعلام صنصال.
وذكر روتايو أن مراجعة “اتفاقية الهجرة” ليست قرارا يدخل ضمن صلاحياته، ولذلك ناشد رئيسه ماكرون للقيام بخطوة حول هذا الموضوع الذي سبق وأن كان محل نقاش وجدال كبير في فرنسا بين التيار اليساري الرافض لإلغائه واليمين المتطرف الذي يسعى في كل مرة لإنهاء الاتفاقية، حيث سبق للسياسي إيريك زمور مثلا وأن شدد على نيته لإلغاء الاتفاقية في حال وصوله إلى السلطة، كما أعرب كزافيي درينكور السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر عن رأيه في ضرورة مراجعة الاتفاقية، وأشار في مقابلة مع مجلة “لوبوان” إلى أن “أحكام الاتفاقية باهظة، ولا يمكن التحايل عليها ما دامت الاتفاقيات الدولية لها الأسبقية على القانون”، وكانت الجزائر قد وقعت مع فرنسا بعد 6 سنوات من الاستقلال، وتحديدا يوم 27 ديسمبر لسنة 1968 “اتفاقية الهجرة” بعد مفاوضات ترأسها وزير الخارجية الجزائري وقتها عبد العزيز بوتفليقة، والتي نصّت على منح الجزائريين عدة امتيازات مقارنة بمهاجرين من جنسيات أخرى كتصاريح الإقامة والأفضلية في مجالات العمل قبل أن تطرأ تعديلات أخرى سنة 2001 على بند “لم شمل الأسرة”.
وضمن التعديل لأفراد العائلة الحق في الحصول على العلاج الصحي والعمل والتعليم إضافة إلى منح إقامة لمدة سنة قابلة للتجديد، ناهيك عن تسهيل منح الجنسية الفرنسية للجزائريين المولودين في فرنسا وأقاموا فيها لمدة تزيد عن ثماني سنوات، وهي النقاط التي يراها سياسيون فرنسيون امتيازات لا يُمكن أن يختص بها الجزائريون، وعلى رأس هؤلاء وزير الداخلية الفرنسي الذي قال: “اليوم هناك العديد من التدابير التي يُمكن لفرنسا أن تتخذها كرد على ما يحدث، هناك تدابير فردية تخص الفيزا الدبلوماسية مثلا وأخرى جماعية على غرار مراجعة قانون الهجرة، فرنسا يجب أن تختار وسائل رد صحيحة للإجابة على العدوانية الجزائرية”، وأضاف: “أنا أؤيد اتخاذ تدابير قوية لكني لست الشخص الذي يستطيع تطبيقها بل الرئيس ماكرون، من دون ردود قوية لن نصل إلى حلول، أعتقد أنه بطريقة أو بأخرى هناك علاقات بين بلدين، لكن هناك أيضا الكبرياء الفرنسي الذي جرحته الجزائر”.
وبعد هذه التصريحات العدائية، نزل جون نويل بارو وزير الخارجية الفرنسي بدوره ضيفا على قناة BFMTV صبيحة يوم أمس الاثنين ليرد على وزير الداخلية بطريقة غير مُباشرة حين أكد أن صياغة السياسة الخارجية الفرنسية يتم في أروقة الرئيس، وقال: “تحت سلطة رئيس الجمهورية يتم صياغة السياسة الخارجية الفرنسية، إنها ليست وصفة معجزة لإزالتها أو إلغائها، وإلا لكُنا نعرف ذلك منذ فترة طويلة”، ويبدو أن الرد جاء واضحا جدا من بارو كمُحاولة لدفع برونو روتايو من أجل تفادي التصعيد أكثر وتقليل التصريحات العدائية المُبالغ فيها تُجاه الجزائر، ما قد يتسبب فيب أزمة طويلة الأمد ستؤثر حتما على جوانب عديدة منها الجانب الاقتصادي، وأكد جون نويل بارو في حديث جانبي حول علاقة أوروبا بأمريكا بعد تنصيب ترامب الرسمي أن الحفاظ على مصالح فرنسا لا يعني مهاجمة الآخرين في إشارة أخرى واضحة لتفادي تصعيد أكبر، وذكرت القناة الفرنسية المذكورة في تعليقها على الأمر أن تكرار مثل تلك التصريحات قد تدفع الحكومة الجزائرية للقيام بإجراءات انتقامية بخفض عدد التصاريح القنصلية ناهيك عن تقليص التعاملات التجارية بين البلدين والتي زادت بشكل ملحوظ منذ 2023، سيما في مجال المحروقات، إذ ارتفعت صادرات الجزائر نحو فرنسا بنسبة 15% بعد تقليل الاعتماد الفرنسي على الغاز الروسي.
محمد بلقاسم