
الجزائر ترفض الرضوخ وتمنع زيارة قنصلية لـ صنصال
خارجية فرنسا تؤكد أن الكاتب عاد إلى السجن بعد خروجه من المستشفى
رغم الخطاب الرسمي الجزائري الذي أكد في أكثر من مناسبة أن قضية بوعلام صنصال لا تندرج بأي شكل من الأشكال في قضايا الرأي وأنه مُتهم بالمساس بالوحدة الترابية للبلاد بعد تصريحاته الغريبة التي أكد فيها أن مُدنا جزائرية غربية تنتمي لدولة أخرى، لا يزال المسؤولون في الدولة الفرنسية يضغطون بكل أوراقهم لأجل مُحاولة التواصل لاتفاق يقضي بإطلاق سراح الكاتب، وبعدما صوت أعضاء البرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضي على قرار يدعو لإطلاق سراح بوعلام صنصال ووصفه على أنه ناشط سياسي وصحفي، أعلن جون نويل بارو وزير الخارجية الفرنسية أن الجزائر لم تستجب لطلب الحماية القنصلية وأنه قلق للغاية بشأن صحة الكاتب المريض.
واستغل وزير الخارجية الفرنسي خروج بوعلام صنصال من المستشفى وعودته إلى السجن حسب ما أعلنه يوم أمس الثلاثاء في مقابلة أجراها مع إذاعة “سود راديو”، ليوجه رسائل جديدة إلى السلطة الجزائرية ويُطالب بفتح قناة حوار حول هذا الموضوع الذي شددت الخارجية الجزائرية على أنه شأن داخلي لا ينبغي لفرنسا التدخل فيه بأي شكل من الأشكال، ونشرت بيانا جاء فيه: “لقد تلقت الحكومة الجزائرية بدهشة كبيرة تصريحات الرئيس الفرنسي بشأن الجزائر، والتي تهين قبل كل شيء الشخص الذي رأى أنه من الضروري الإدلاء بها بهذه الطريقة غير الرسمية والخفيفة، ولا يمكن إلا شجب هذه التصريحات ورفضها وإدانتها باعتبارها تدخلا مشينا وغير مقبول في شأن داخلي جزائري، إن ما يقدمه الرئيس الفرنسي بشكل غير مبرر وزائف على أنه مسألة تتعلق بحرية التعبير لا يندرج ضمن قانون دولة مستقلة ذات سيادة، بل يتعلق الأمر بالأساس بتهديد السلامة الإقليمية للبلاد، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الجزائري”.
وفي مُحاولة منه للتأثير على الرأي العام العالمي بموقف يحمل مغالطات حول اعتبار صنصال ضحية رأي، أعرب بارو عن “قلقه البالغ إزاء صحة الكاتب” واصفا إياه بالمريض وقال: “أنا على اتصال بزوجته التي تزوره مرة في الأسبوع، نحن نحصل على أخبار عنه عن طريق زوجته ومحاميه”، وسُئل بارو عن اقتراحه بالذهاب إلى الجزائر لمناقشة الأمر مع السلطات الجزائري، فأجاب: “لقد قلت إنني مستعد عندما يحين الوقت لمناقشة كافة المواضيع وأبعاد علاقتنا التي أتمنّى أن تهدأ لأنّها الطريقة الوحيدة لخدمة الشعب الجزائري والشعب الفرنسي”، قبل أن يتمنى أن “يتمكن القضاء الجزائري من اتخاذ قرار في أسرع وقت ممكن بشأن الكاتب” على حد قوله، علما بأن صنصال البالغ من العمر 75 عاما مسجون في الجزائر منذ منتصف نوفمبر الماضي ويحاكم بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات التي تعاقب على “كل عمل يستهدف أمن الدولة أو وحدتها أو استقرارها أو حسن سير عمل المؤسسات، على أنه عمل تخريبي أو إرهابي”، علما بأن صنصال أدلى بتصريحات لوسيلة إعلام فرنسية مؤيدة لليمين المتطرف والتي تبنى فيها موقفا غريبا يقول فيه إن مساحة دولة أخرى اقتُطع منها في حقبة الاستعمار الفرنسي لصالح الجزائر.
ومن الواضح أن قضية بوعلام صنصال ستتخذ منحى آخر مستقبلا، ذلك أن الموقف الجزائري واضح للغاية في مسألة السيادة الترابية للبلاد، ولذلك تُحاول فرنسا الضغط في كل مرة لإعطاء القضية بُعدا عالميا وهو ما يحدث حاليا في الكثير من الصحف والقنوات العالمية التي تشير إلى أن الكاتب محتجز لأسباب تتعلق بحرية الرأي، وفي هذا السياق تحدث سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد في مقابلة مع “بي بي سي عربي” وأكد أن تدخل فرنسا في قضية “مواطن جزائري مع العدالة في بلاده ليس له مبرر وغير مقبول”، معتبرا أنه “اعتداء مباشر على الجزائر”، ويرى جيلالي مثلما هو واضح لدى الجميع أن فرنسا لم تنتظر ردة فعل الجزائر بهذا الشكل على مطالبها حيال إطلاق سراح صنصال، ولذلك اتخذت موقفا عدائيا وصل حد التطاول، وخاصة من وزير الداخلية برونو روتايو الذي أدلى بالكثير من التصريحات العدائية ووصل به الأمر لمُطالبة الرئيس الفرنسي ماكرون لإلغاء العديد من الاتفاقيات وعلى رأسها “إتفاقية الهجرة” الشهيرة.
ويرى متتبعون للشأن السياسي الجزائري أن بوعلام صنصال استُعمل من طرف فرنسا وأصبح ينتقد الجزائر بطريقة غير مقبولة، بل وبتصريحات استفزازية لا تتعلق أساسيا حول الوضع الداخلي، بل حول قضايا إقليمية وتاريخية وذلك منذ أن تحصل مؤخرا فقط على الجنسية الفرنسية، ولذلك فقد كان من الضروري إحالته على العدالة بتهمة المساس بالسيادة الترابية للجزائر واعتبار أن بعض المُدن الجزائرية الواقعة غرب البلاد هي مُدن تنتمي إلى دولة أخرى، ما يعُتبر دعما واضحا للتوسع داخل الجزائر تماما مثلما هو جار اليوم في الصحراء الغربية، للإشارة فإن بوعلام صنصال ومنذ إصداره رواية “كتاب الأم” سنة 1998 التي تحدث فيها عن مرحلة النفي والاعتراب، كان يُركز في أعماله على مواضيع الاستبداد والعنف وانتهاك حقوق الإنسان، ناهيك عن التطرف الديني والجمود الفكري والسياسي في الجزائر، قبل أن يتخذ خطابه طريقا آخر يُعتبر تطاولا على أرض وحدود الدولة بشكل صريح وبطريقة لا تختلف عن خطاب “اليمين المتطرف الفرنسي” منذ أيام الاستعمار، كونهم يعتبرون أن الجزائر ليس لها تاريخ أو أمة في محاولة واضحة لطمس تاريخ عريق لهذه الأرض.
م. بلقاسم