
الجزائريون يودعون رمضان على أقوى الصور في التضامن
من باتنة إلى العاصمة إلى البليدة إلى تيزي وزو
شكلت موائد الإفطار الجماعي في الجزائر علامة وطنية مسجلة وسط أجواء من التآخي والتآزر جسدتها لوحات التضامن الوطني والتلاحم الشعبي الذي أظهر على امتداد ليالي الشهر الفضيل معدن الأمة الجزائرية الخالص بالأدلة الدامغة من خلال مشاهد وصور حضرية وإنسانية موثقة لا تحدث ولا تتكرر سوى في هذا البلد “القارة”.
عبد الرحمان شايبي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يتخلف الجزائريون في رمضان هذا العام عن صناعة واحدة من أجمل الأجواء وأقوى اللحظات المؤثرة في التلاحم والتآزر الذي جعل من أركان الجمهورية الأربعة عائلة واحدة متماسكة، وعلى قلب رجل واحد.
واعتاد الشعب الجزائري على استغلال قدوم الشهر الفضيل لنثر “الرحمات” وسط المجتمع وتقديم مشاهد إنسانية عالية المشاعر في تقديم العون والمساعدة التي يقول مختصون اجتماعيون أنها لا تغيب باقي السنة، ولكنها تحضر بقوة في رمضان بسبب خصوصية الشهر الذي يحاول البعض عبثا تحييده عن مساره الحقيقي وحصره في سلة المأكولات المتنوعة والبذخ المتبوع بمظاهر التبذير والإسراف.
عاصمة الأوراس باتنة تشعل سباق العمل الخيري في كافة الوطن
وكانت ولاية باتنة قد دشنت سباق الإفطار الجماعي عبر ربوع الوطن بإقامة أكبر مائدة إفطار جماعي في قلب المدينة، وتحديدا بالممرات الحضرية مصطفى بن بولعيد اجتمع حولها الأوراسيون وضيوفهم من باقي الولايات على إفطار جماعي سادته مظاهر التآخي والتعاون، وجلس فيه البسيط بجانب رجل الأعمال، والمحتاج إلى ظهر الغني، فيما تلاحمت العائلات التي آثرت النزول إلى الشارع بداية رمضان لتشكل الأسرة الأوراسية الكبيرة التي يحتفظ تاريخ المنطقة بفضائلها ويعدد محاسنها إلى اليوم في زمن انقطعت فيه الأوصال وتشتت فيه الأهالي بفعل التحولات الاجتماعية العديدة.
وأعطت باتنة المثل الأعلى في التضامن الوطني من خلال تقليدها السنوي في إقامة مائدة إفطار على شرف سكان عاصمة الأوراس، حافظت في كل مرة على إظهار معدن المنطقة المتلاحم، والذي يستمد تضامنه الاجتماعي من أيام تفجير الثورة التحريرية الكبرى.
الجزائر الوسطى أطول طاولة إفطار عبر الشارع في العالم الإسلامي
وسريعا ما انتقلت صور التضامن من باتنة في أقصى الشرق إلى قلب عاصمة البلاد، حينما ازدانت شوارع “البهجة” بأطول مائدة إفطار في العالم ربما، تجاوزت تقديرات طولها بنحو 5كم، وامتدت من ساحة أول ماي في بلوزداد إلى ساحة الشهداء بالجزائر الوسطى، جمعت من حولها الآلاف في دعوة للإفطار الجماعي الذي يعبر عن قيّم المجتمع الجزائري الأصيل خلال شهر يعتبره مختصون وأهل الدين محركا حقيقيا لحضور القيم وبروز التقاليد المثلى وسط الناس.
وانخرطت جمعيات عديدة بجانب متطوعين في إقامة مائدة الإفطار الأكبر في العالم الإسلامي بالجزائر العاصمة، جذبت إليها جميع فئات المجتمع المحلي وتعدتهم إلى حضور السياح الأجانب الذين لم يقاوموا الرغبة في النزول إلى الشارع والانضمام إلى إفطار الصائمين في الجزائر.
البليدة تفترش ملعب تشاكر لأكبر إفطار جماعي في مدينة الورود
من جهتها، جددت سلطات ولاية البليدة تقليدها السنوي في إقامة أكبر إفطار تحتضنه مدينة الورود بمناسبة حلول شهر الصيام.
واعتادت مدينة البليدة 50كم غرب الجزائر العاصمة على إحياء أجواء رمضان وسط نفحات إيمانية لافتة، كرستها صور المساجد في المدينة وهي تعبق بتلاوة القراءات القرآنية، وتتوشح بعبق الإيمان، بجانب نمط الحياة اليومية للمواطن الذي يختار في مثل هذه المناسبة برنامجا خاصا بالشهر الفضيل يحرص فيه “البليدي” على إقامة الشعائر وإبراز تقاليد الهوية الوطنية.
وتكلل مجهود السلطات وفعاليات المجتمع الوطني بافتراش الملعب “الملحمة” مصطفى تشاكر بأجمل لوحات التلاحم الوطني في إفطار جماعي أقيم على شرف اليتامى والمعوزين، بعدما بات التقليد سنويا، لم تتخلف فيه مدينة الورود هذا العام أيضا على تقديم مشاهد رائعة وصور إنسانية مؤثرة شرحت حرفيا تلاحم وتضامن الجزائريين فيما بينهم، مثلما تذكره مقاطع الأغنية التحفة “يحياو ولاد بلادي” التي تفنن في أدائها إيقونة الأغنية الوطنية وابن المدينة أيضا المرحوم رابح درياسة.
تيزي وزو تحتفي بأقوى إفطار مع أنصار المحاربين
وقدّمت عروس القبائل تيزي وزو مسك الختام لمشاهد التضامن والتلاحم الوطني الذي عايشته جميع المدن الجزائرية خلال شهر رمضان هذا العام، حوّلت فيها مدينة “الكناري” مناسبة احتضان ملعبها العالمي المجاهد المرحوم حسين آيت أحمد مباراة المنتخب الوطني ضد منتخب موزمبيق في إطار تصفيات كأس العالم 2026 إلى سانحة من أجل استقبال أنصار محاربي الصحراء الذين قدموا من 57 ولاية لدعم زملاء القائد محرز في مشوارهم التصفوي الرائع، فشهدت عاصمة القبائل إفطارا جماهيريا غير مسبوق، حرص فيه أبناء المنطقة على استقبال إخوانهم الذين غزوا المدينة من كامل ولايات الوطن ومن الجالية المقيمة بالمهجر، في حين تكفل مشهد الراية الوطنية الضخمة التي تم إسدالها في المدرجات مع بداية عزف النشيد الوطني بنقل صورة الجزائريين العميقة حول وحدتهم، وأخوتهم، واعتزازهم ببلدهم السائر في طريق الإنجازات والانتصارات.
هكذا يرحل رمضان ويبقى الأثر خالدا، أثبت فيه الجزائريون أنهم على قلب رجل واحد عامر بالإيمان والإحسان والتضامن وأن وحدتهم “خط أحمر” وهي الرسالة التي تكون قد بلغت المعنيين بقراءتها فهما، وإدراكا، واستيعابا.