
يواصل كتاب “التمتمات المتجمدة للغجري الأخير” لمؤلفه أشرف مسعي تواجده في مختلف معارض الكتاب التي تشارك فيها دار أدليس المؤسسة الناشرة للعمل.
وتعتبر هذه المجموعة القصصية التي نشرت لأول مرة سنة 2022 توليفة أدبية فريدة، تمزج ببراعة بين السرد القصصي العميق والتأملات الفلسفية الشائقة. تستكشف هذه المجموعة، ، ثيمات إنسانية واجتماعية جوهرية كالفقر، البطالة، الإدمان، النسيان، الخوف، والوحدة، وذلك من خلال عدسة فنية مميزة ولغة شعرية آسرة.
ويُجسد مسعي هذه القضايا عبر شخصيات تعيش على هامش الحياة، تناضل من أجل إيجاد معنى لوجودها في عالم يعصف بالاضطرابات. ففي إحدى القصص المؤثرة، نلتقي بتونينو بالياردو، الموسيقي الغجري الذي يفقد صوته فجأة ليجد في الكتابة وسيلة جديدة للتعبير عن ذاته، متحولًا من عازف للألحان إلى عازف للكلمات، في رحلة بحث عن الهوية والتعبير عن المعاناة الداخلية.
وفي قراءة نقدية للكتاب يرى بعض الناقدون أن أسلوب الكاتب يتميز بتزاوج الواقعية والرمزية، حيث تتجلى لغة شعرية غنية بالصور الفنية المعبرة، مثل قصة “اللمسة الأخيرة” تتحدث القصة عن تجربة فريدة يقدمها عازف البيانو غوستاف لجمهوره، حيث يسعى من خلال عزفه إلى تجاوز حدود السمع التقليدي وإيصالهم إلى حالة من النشوة الصوتية أو “اليوفوريا”، وهي القدرة على “رؤية” الصوت ككائن ميتافيزيقي محسوس. يصف النص رحلة غوستاف وهو يستعد للعزف، وتأثير موسيقاه التدريجي على الجمهور الذي يبدأ في التفاعل مع الصوت بطرق حسية وغير مألوفة، وصولًا إلى ذروة التجربة حيث يبدو أنهم يرون ويشعرون بالصوت بشكل مباشر، كما يمنح الكاتب للنصوص عمقًا وتأثيرًا نفسيًا بالغًا. و يعزز استخدامه الذكي للرموز والاستعارات البعد الفلسفي للمجموعة، ويدعو القارئ إلى التفكير مليًا في الدلالات الخفية وراء الأحداث والشخصيات.
بشكل عام، تُعد “التمتمات المتجمدة للغجري الأخير” إضافة نوعية للأدب الجزائري المعاصر، وتقدم للقارئ تجربة قراءة فريدة تمزج بين جمالية السرد وعمق الفكرة. تبرز هذه المجموعة موهبة أشرف مسعي ككاتب يمتلك رؤية فنية ناضجة وقدرة فائقة على التعبير عن تعقيدات الروح الإنسانية بلغة شعرية مؤثرة تلامس شغاف القلب.
سميحة. ع