الأوراس الرقمي

التلوث الرقمي.. جائحة أخرى ينتظرها العالم

المقال ئيسي

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الكوارث المتسارعة التي تُهدّد البشرية. حسب العلماء والخبراء في المجال البيئي، لم يعد التحذير من ترك المياه تتدفّق عند غسل الأسنان على رأس أولويات الحلول. فتراكميّة الأفعال الفردية الواعية لمخاطر الأزمة أمر ضروري، لكنها ليست بالأمر الكافي. قضايا التغير المناخي أكثر تعقيداً من أن يتحمّل الأفراد أو حتى الدول النامية مسؤولية حلّها.

إن الثقل الأكبر واقعٌ على الدول الأكثر تقدماً، كبار الأثرياء حول العالم وكبرى الشركات، وعبر اعتماد سياسات بيئية مُحدّدة. ولكن ما هي هذه المسؤوليات الفردية المُستجدّة؟ وما الذي تغيّر أو تجدّد بعد التوسع الكبير للتكنولوجيا، وأكثر تحديداً شبكة الإنترنت، واقتحامها تفاصيل حياتنا اليومية؟ وهل الرقمنة هي في الواقع تلك الصناعة النظيفة التي ستُخفّف عن الكوكب من ثقل التلوث؟

 

لقد راج طويلاً اعتقاد عام، لا أساس علمي له، عن تماشي الصناعة الرقمية مع سياسات مكافحة الاحتباس الحراري، وذلك لخصوصيتها “غير المادية” التي قد توحي بها. لكن يتصدى باحثون ومتخصصون في المجال لهذه النظرية الشائعة، ليحذروا بصورة مستمرّة ومتصاعدة من خطورة التلوث الرقمي على البيئة.

 

حقاِئق حول استخدام الانترنت سنة 2023

اعتبارًا من  جانفي 2023 ، كان هناك 5 مليار مستخدم للانترنت حول العالم، مقابل 3,42 فقط سنة 2016، 53 يالمئة منهم موجودون في قارة آسيا أغلبهم في الصين والهند، يقضي المستخدم العادي سبع ساعات من يومه على الشبكة مبحرا في واحد من أكثر من 1.93 مليار موقع، وبزيادة 17 دقيقة عن العام الماضي، وتحتفظ أمريكا الشمالية بأعلى معدل93.4٪  من سكانها يستخدمون الإنترنت متبوعة بأروبا بـ 89 بالمئة، وفي المرتبة الأخيرة كوريا الشمالية ب معدل 00 تقريبا، وتبلغ عدد عمليات البحث في قوقل وحده 8,5 مليار يوميا، تحتل اللغة الإنجليزية منها 25 بالمئة تليها الصينية ثم الاسبانية. من المتوقع أن يصل الإنفاق العالمي على الإعلانات الرقمية إلى 681.39 مليار دولار في عام 2023. أما بالنسبة للتجارة الالكترونية فيتوقع الخبراء ارتفاع مبيعاتها إلى 6.51 تريليون دولار في عام 2023. ومن المتوقع أن يشتري 2.14 مليار من سكان العالم عبر الإنترنت هذا العام. هذه زيادة بأكثر من 48٪ منذ عام 2014.

هذه الأرقام سترتفع حتماً في عام 2024، إذ تكفي ملاحظة التحوّلات المستمرة في علاقتنا كأفراد أو في حاجتنا المتزايدة للرقمنة في تسيير مختلف أمور حياتنا المهنية أو الاجتماعية وغيرها… هذا الإحصاء نفسه، ارتفعت نتائج أرقامه بشكل ملحوظ عن تلك في عام 2020، التي نشرها الصحافي الفرنسي غييوم بيترون في كتابه “جهنم العالم الرقمي”.

 

التلوث الأخضر.. الخطر الداهم

لكن ما هو هذا التلوث؟ وكيف نساهم في ازدياد أثره من خلال نشاطنا الدوري عبر الإنترنت؟

حسب تعريف منظمة “السلام الأخضر” البيئية (غرينبيس) التلوث الرقمي يتضمّن جميع أشكال التلوث الناجمة عن قطاع تكنولوجيا المعلومات. وهو ما يحتوي على: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتلوث الكيميائي، وتآكل التنوع البيولوجي وإنتاج النفايات الإلكترونية. معظم هذا التلوث، يتمحور حول عملية تصنيع المعدات، وليس عند استخدامها. لهذا يحثّون على استخدام عدد أقلّ من المعدات الإلكترونية، ومحاولة إطالة حياتها قدر الإمكان تفادياً لتزايد عمليات التصنيع. وحسب تقرير لمنظمة “ذا شيفت بروجيكت”، المنشور في عام 2018، حول التأثير الرقمي على البيئة، تظهر أرقام الأثر البيئي بشكل أوضح. فاستهلاك الصناعة الرقمية العالمية للمياه، والمواد والطاقة يبلغ أثره ثلاثة أضعاف ما يتركه من أثر استهلاك دولتين لها مثل فرنسا وبريطانيا. وحسب التقرير، تستهلك التكنولوجيا الرقمية 10 في المائة من مجمل إنتاج الكهرباء (الطاقة) حول العالم، كما ينتج عنها ما يُقارب الـ 4 في المائة من مجمل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية، وهو ما يفوق ما ينتج عن قطاع الطيران المدني العالمي.

 

المجهول والمسكوت عنه

من المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام بحلول عام 2025، لتصل إلى 8 في المائة، وهو ما سيفوق الانبعاثات الناجمة عن السيارات. أمّا الحاجة إلى هذا الكمّ من الطاقة، فيتحمّل الأفراد جزءاً منه وذلك عبر استهلاكهم لأصغر خدمات هذا العالم الرقمي (التي تبدو صغيرة، ولكن أثرها في الواقع كبير). استسهال إرسال الرسائل عبر البريد الإلكتروني، وضمناً هذا النصّ الذي سيتمّ إرساله عبر البريد الإلكتروني يحمل أثراً سلبياً على البيئة. وهنا بعض الأرقام التي قد تشرح فداحة الواقع، حيث أن إرسال إيميل واحد يستهلك طاقة بمقدار ما يحتاجه تشغيل الإنارة في غرفة واحدة لمدة 25 دقيقة، كما أن تحميل النسخة الرقمية من صحيفتك المفضلة فيستهلك طاقة تشغيل غسالة الثياب لمرة واحدة، وتشغيل الفيديوهات عبر يوتيوب له أرقامه الخاصة والمُخيفة. لنأخذ على سبيل المثال فيديو الأغنية الشهيرة “غانغام ستايل”، الذي وصل عدد مشاهداته إلى أرقام خيالية. مشاهدته 2،7 مليار مرة نتج عنها استهلاك للكهرباء بما يُعادل ما يحتاجه معمل صغير لإنتاج الطاقة النووية سنويّاً.

وهذا ما ينسحب على كلّ حركة بسيطة على الشبكة، من كبسة إعجاب على منشور فيسبوكي أو تغريدة عبر موقع تويتر… وصولاً إلى الانتقال بشكل عفوي لساعات بين فيديوهات القطط والمعجنات على إنستغرام أو تيك توك.

 

عملية متكاملة وراء التلوث الرقمي

شبكة الإنترنت لا تعمل بسحر ساحر، بل هي عمليّة متكاملة، تبدأ من تصنيع المعدات واستخدامها اليومي، وحاجتها في الوصول إلى المستخدم، والذهاب من مراكز حفظ البيانات لكي تعمل بشكلها الحالي. 47 في المائة من مصادر التلوث الرقمي تنجم عن تصنيع المعدات الإلكترونية، 28 في المائة من البنى التحتية للشبكات والـ 25 في المائة المتبقية تنتج عن مراكز حفظ البيانات. المسؤولية الفردية قد تبدأ من الاستهلاك المتزايد، والسعي الدائم لامتلاك أدوات إلكترونية جديدة. في عام 2022، تمّ إحصاء ما مجموعه 44 ملياراً من المعدات الرقمية على كوكب الأرض، وهو رقم يخصّ 4.5 مليار فرد. ما يجعل متوسط الفرد الواحد ثمانية أجهزة، تنقسم ما بين كاميرات إلكترونية وهواتف نقالة وأجهزة كومبيوتر… لهذا ربما، علينا التفكير لأكثر من مرة، ونحن نستخدم الإنترنت أو خلال تجديد هواتفنا النقالة وأجهزة الكومبيوتر لا تكمن خطورته في أثره الواضح والمباشر، لكنه في حقيقة الأمر هو عملية متكاملة لها أثرها الكبير في تعميق أزمة التغير المناخي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.