التعوذ من سيئات الأعمال ومجاهدة النفس بمخالفة الهوى
قال تعالى ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ سورة النازعات الآيات 37 – 39
من قوا عد السلف المجمع عليها بينهم: أن النفس حجاب بين العبد وبين الله وأنه لا يصل إلى الله حتى يقطع هذا الحجاب.
والناس مع أنفسهم على قسمين:
- قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعا لها تحت أوامرها.
- وقسم ظفروا بأنفسهم فقهروها فصارت طوعاً لهم منفذة لأوامرهم فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 37 – 39].
فالنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا والرب تعالى يدعوا عبده إلى خوفه ونهى النفس عن الهوى وهذا موضع المحنة والابتلاء.
قال ابن القيم رحمه الله: ” ففي النفس ثلاثة دواعي متجاذبة: داعٍ يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الشيطان من الكبر والحسد والعلو والبغي والشر والأذى والفساد والغش، وداع يدعوها إلى أخلاق الحيوان وهو داعي الشهوة، وداع يدعوها إلى أخلاق المَلَك من الإحسان والنصح والبر والعلم والطاعة ” وهنا يأتي دور المجاهدة.
وقد وصف الله تعالى النفس في القرآن بثلاث صفات: نفس مطمئنة ونفس لوامة ونفس أمارة بالسوء.
1- فالنفس المطمئنة: هي التي سكنت إلى الله واطمأنت بذكره وأنابت إليه واشتاقت إلى لقائه وأنست بقربه، وهي التي يقال لها عند الوفاة: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر: 27 – 30].
وسميت مطمئنة لأنها اطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره وأمره ونهيه وخبره ولقائه ووعده، واطمأنت إلى الرضا به ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، واطمأنت إلى قضائه وقدره.
2- النفس اللوامة: هي التي تلوم صاحبها دائما، تلومه إذا أحسن ألا يكون ازداد إحسانا وتلومه إذا أساء ألا يكون رجع عن إساءته.
والنفس اللوامة نفس مؤمنة ولذلك أقسم الله بها قائلاً: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ…﴾ [القيامة: 1، 2]
قال الحسن: ” إن المؤمن ـ والله ـ ما تراه إلا يلوم نفسه على كل حالاته يستقصرها في كل ما يفعل فيندم ويلوم نفسه وإن الفاجر ليمضي قُدما لا يعاتب نفسه ”
3- النفس الأمارة بالسوء: هي التي تأمر صاحبها بما تهواه من شهوات الغى واتباع الباطل وهى الأصل كما قال تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [يوسف: 53]
إن النفس البشرية عموما خلقها الله تعالى أمارة بالسوء ميالة إلى الشر فرارة من الخير إلا من رحمه الله تعالى ووفقه إلى تزكيتها وتطهيرها بالأعمال الصالحة ودوام المحاسبة والمجاهدة حتى تتحول هذه النفس الأمارة بالسوء إلى نفس لوامة تلوم صاحبها على الشر ثم إلى نفس مطمئنة لا تأمر صاحبها إلا بطاعة الله فإن زلت نفسه سرعان ما يعود إلى الله.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم:34].
وقال تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف 54].
وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب:72].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾ [المعارج].
وقال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ [العاديات:6] أي جحود لنعمة الله ﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ والخير: المال
وقال تعالى: ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ [القيامة:5] أي يملأ الأرض فجورا ﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾ سؤال استنكار.. هذه بعض صفات الإنسان
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب قدّم بين يدى خطبته:” إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا..”
وإنما خلق الله تعالى النفس كذلك امتحانا وابتلاء وليقوم الإنسان بمهمته في هذه الحياة وليظهر مدى امتثاله لأمر ربه، هل سيهمل نفسه وينساها؟
أم سيعمل جاهدا على تزكيتها وتطهيرها، وهنا أقسم الله تعالى بالنفس قائلا: ” ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ” قد أفلح من حاسبها وجاهدها ودفعها إلى الطاعة دفعا وقد خاب من خسر من نسيها وأهملها”.
و مجاهدة النفس: حملها على اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه وإذا قوى على ذلك قوى على جهاد أعداء الدين.
قال المناوي: المجاهدة: حمل النفس على المشاق البدنية ومخالفة الهوى وقيل: هي بذل المستطاع في أمر المطاع (الله).
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت:69] فعلق سبحانه الهداية بالجهاد فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادا، وأفرض الجهاد: جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته..
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت:6]، والآية مكية على الصحيح، والمراد جهاد النفس، فمن جاهد نفسه في طاعة الله نفع ذلك يعود عليه.
د. شريف فوزي