أعوام للخير يتحدث عنها أجدادنا في حنين متواصل لتفاصيلها وكل ما حملته من نعم و “خير”، ربطها البعض بالنية والطيبة والقلوب الصافية وبالإخلاص والتفاني في العمل وحب الوطن، وبلغ الأمر بالبعض الآخر إلى ربطها ببعض الظواهر والآفات منها “القمل” الذي يرون أنه ومنذ رحيل هذه “الأوبئة” غادرنا الخير بلا رجعة.
ففي أعوام الخير تلك التي كان فيها القمل منتشرا وكذلك الجرب والمرض؛ كانت الأرض تجود بالنعم من قمح وشعير ومحاصيل زراعية متنوعة ذات جودة عالية، وبكميات كبيرة تكفي الجميع ويستفيد منها الكل، فلا جائع بين الناس والأرض متسعة الاخضرار ودائمة العطاء، حتى أن التاجر لا مكان له بين الفلاح والمستهلك فالأرض مفتوحة والجميع يملك حقا في خيراتها المترامية الأطراف.
فالتعلق بالخير “القديم” وإن كان محدودا محددا قد خلق هوة واسعة بين شباب اليوم وكهول وشيوخ الماضي الذين كثيرا ما تجدهم يتوجهون بالذم للأنظمة الاقتصادية الجديدة، وللواقع الذي “خصخص” القمح والشعير، و”امتص” خيرات البلاد من خضر وفواكه بحجة التصدير وتسبب في رفع أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء، حتى أن الجيل الجديد قد واجه اتهامات بأنه “جيل مشؤوم” تسبب في نحس الواقع المعاش.
وعليه جاء التعلق بالقمل الذي عاد بقوة في زمن تطورت فيه أساليب الوقاية والعلاج معا، طلبا للخير باعتباره علامة من علامات الماضي الجميل وجزء لا يتجزأ من أعوام “الرخاء”، إذ كلما انتقدنا ظاهرة القمل في المدارس وفي المجتمع خرجت لنا فئة من كبار السن تجرمنا معتبرة الظاهرة ظاهرة خير وعلامة من علامات العودة إلى أعوام “الصابة”، التي كلما زاد انتشار القمل زاد توسعها.
نوارة بوبير