
الإعلام الفرنسي يتباكى ويقحم قضية صنصال في مسائل أمنية حساسة!
أصحاب نظرية "من يقتل من؟" يحاولون فرض سرديتهم على السيادة الجزائرية...
يواصل الإعلام الفرنسي خرجاته الغريبة بمحاولة فرض قناعاته حيال العديد من المواضيع على الشأن الداخلي الجزائري بإقحام متواصل لقضية الكتاب بوعلام صنصال “الذي اعتقل في الجزائر لأسباب داخلية بحتة تتعلق أساسا بتصريحات خطيرة تمُس وحدة الجزائر وترابها”، في مسائل أخرى تخص السيادة الوطنية والسعي الجزائري الدائم لمجابهة كل الأخطار الخارجية وخاصة ما يتعلق بالإرهاب، فصحيفة Le Figaro التي استعملت مصطلح “مناضلين مسلحين” Militants armés في مقال لها صدر بتاريخ 19 ماي 2015 عندما وصفت 22 إرهابيا قضى عليهم الجيش الجزائري، خرجت يوم أمس بمقال منتقد للصحافة الجزائرية وطريقة معالجتها لما جاء في الفيلم الوثائقي الذي بثه التلفزيون الجزائري وقناة الجزائر الدولية حول قصة من يُسمى “عيساوي محمد أمين”، والذي أكدت وكالة الأنباء الجزائرية أنه تم استدراجه ليلتحق بتنظيم إرهابي في أوروبا قبل أن تُحاول المخابرات الفرنسية تجنيده لصالحها مستغلة التجربة المريرة التي عاشها.
وربطت الصحيفة الفرنسية ذائعة الصيت بشكل غريب ما جاء في الوثائقي الذي يحكي قصة المُجند السابق في تنظيم ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ومحاولات الإتصال به من المخابرات الفرنسية عبر جمعية “آرتميس” “لإرساله إلى النيجر وأيضا التقرب من المتطرفين في الجزائر العاصمة وكسب ثقتهم وكذا تحديد أماكن تواجد كاميرات المراقبة ودوريات الشرطة بالزي المدني وغيرها”، بمسائل أخرى داخلية وعلى رأسها قضية بوعلام صنصال المتهم بالمساس بالوحدة الوطنية والسلامة الترابية للبلاد والتآمر ضد أمن الدول، فبعد رفض محكمة الإستئناف الإفراج على الكاتب الجزائري الذي حصل مؤخرا على الجنسية الفرنسية، حاولت صحيفة “لوفيغارو” مرة أخرى استغلال الحدث ومواصلة التباكي بإقحامه في حدث آخر متعلق بمحاربة الخطر الإرهابي الخارجي، رغم أن الجزائر لا تحتاج دون شك أي دروس في محاربة الإرهاب وهي التي عانت الويلات منه سنوات التسعينات وتعتبر دولة رائدة في إحباط المخططات الإرهابية، كما أن الصحافة الجزائرية لا تحتاج دروسا في كيفية التعامل مع قضاياها الداخلية، بما أن اعتبار كاتب يحاول نسب الغرب الجزائري لدولة أخرى توسعية كصاحب رأي ومعارض عادي، هو أمر لا يوجد سوى في المخيال الإعلامي الفرنسي.
هذه السردية الصحفية الفرنسية التي تُحاول اتهام الأمن الجزائري بأنواعه على أنه يقوم بتمثيليات مختلفة بالحديث عن تعرضه للمؤامرة ليست وليدة اليوم، فالصحافة الفرنسية هي التي روجت كثيرا لفكرة “من يقتل من؟ Qui tue qui ? ” أيام العشرية السوداء لتبييض صورة الإرهابيين وتوجيه أصابع الإتهام أيضا للجيش والمخابرات الجزائرية، وهي العبارة التي انتشرت فعلا في الجزائر وطالما ترددت من بعض مساندي “حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ” المُنحل، وما وصف “لوفيغارو” لإرهابيين قضى عليهم الجيش الجزائري بـ “مناضلين مسلحين” إلا تأكيد واضح على محاولة تبييض صورة المسلحين المتطرفين في الجزائر وتقريبهم إلى المعارضين السياسيين بدلا من كونهم “إرهابا”، الأمر الذي لا يقتصر على هذه الجريدة فحسب، ففي جانفي 2018 وبعد القضاء على مجموعة إرهابية في خنشلة تحفظت صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية على استعمال عبارة “إرهابي”، عكس ما كان عليه الحال مع أحداث إرهابية سابقة شهدتها الأراضي الفرنسية والتي حُددت فيها أوصاف المتسببين بشكل واضح دون أي تلاعبات أخرى في المصطلحات على غرار “مناضلين مسلحين” أو “الحرب الأهلية الجزائرية” وهي عبارة تضع الجيش الجزائري الذي سعى للحفاظ على أمن الدولة سنوات التسعينات على حجر مساواة مع متطرفين إرهابيين صعدوا إلى الجبال وتركوا وراءهم جرائهم كثيرة جدا.
وبعد تقديم لمحات بسيطة عن تاريخ السرد الإعلامي الفرنسي لمواضيع تتعلق بمحاربة الإرهاب، يجب التأكيد أنه لا “لوفيغارو” أو أي وسيلة إعلامية أخرى تبنت ولا تزال تتبنى مغالطات مثل “من يقتل من؟” وتحاول وصف الإرهابيين في كل مرة بـ”المناضلين المسلحين” هي آخر من يقدم الدروس للجزائر في كيفية التعامل مع أمنها الخارجي على وجه الخصوص، سيما بربط موضوع كهذا بقضية صنصال حتى في ظل انعدام أي رابط بينهما، ذلك أن صنصال مُتهم بالمساس بالسلامة الترابية للبلاد ولا يُمكن تصور أي إعلامي فرنسي يقبل بكل ديمقراطية تصريحات كتاب محليين حول انتماء كورسيكا مثلا إلى إيطاليا وأنها يجب أن ترجع إلى الحكم الإيطالي، وهي التي ظلت تابعة لحكم جمهورية جنوة بين 1284 و1755، قبل أن تضمها فرنسا في 1769، وإلى غاية 1859 كانت اللغة الإيطالية هي اللغة الرسمية الأولى في كورسيكا قبل أن تستبدل بالفرنسية، وإلى اليوم لا تزال الإيطالية هي المستعملة في ملاعب الجزيرة التي تملك جماهير أنديتها عداوة مع كل جماهير “الليغ 1” عموما، وحتما يتذكر الفرنسيون جيدا تصفير جمهور نادي باستيا الكورسيكي على النشيد الفرنسي “La Marseillaise” في نهائي كأس فرنسا سنة 2002 وهو ما أثار غضب الرئيس جاك شيراك الذي نزل من المنصة الشرفية ورفض تحية اللاعبين وعبّر بشكل صارم رفضه لتصرف هذا الجمهور رغم أنه رأي شعبي يخص انتماءهم وليس تصريحا من كاتب منبطح لأفكار يمينية فرنسية يحاول نسب الغرب الجزائري إلى دولة أخرى بكل وقاحة وكذب على التاريخ.
م. بلقاسم