
في تاريخ الآداب العالمية كثير من الأساطير التي تروى مستقّلة وتروى مضمّنة في الملاحم والشعر والقصص، وتعظم بعض الشعوب والأمم الأساطير إلى درجة جعلها ربيبة الوحي، فتؤخذ بِعُجَرِها وبُجَرِهَا وتسلّم بكل تفاصيلها، وتؤخذ بتقديس وإجلال كبير.
ولذلك نرى في الآداب اليونانية واللاتينية والأدب الغربي الحديث؛ توظّيف الأساطير بشكل مسرف، وكأنها حقائق لا خرافات، فتجدهم يتحدّثون عن آلهة الجمال وآلهة الخصب والمطر، وآلهة الحرب والسلم؛ كأنها آلهة حقيقية لا شك في وجودها، ومن ثمة يرون أنّ العالم كلّه مبني على صراع الآلهة؛ بل يتجاوز الأمر إلى أسوإ من ذلك؛ فيجعلون البشر يصارعون الآلهة ويتحدّونها، والآلهة تغار منهم وتحاربهم، وتمنع عنهم فاكهة المعرفة (التفاح).
والأمر لا يبدو مستغربا كثيرا لأنه يتعلّق بشعوب وأمم لا تعرف عقيدة التوحيد، ولا تتصور حقيقة الخالق التصوّر الصحيح الذي يتسم به المسلمون؛ لكنّه يبدو مستغربا إذا تعلّق بالإنسان المسلم، الذي يؤمن بالله وحده، فنجده يقتفي آثار هؤلاء التائهين ويقفو خطاهم، فيكتب الشعر والقصّة والمسرح وفي طواياها كلّ بذور الفكر الغربي الذي يؤمن بالأسطورة على أنها حقيقة مسلمة لا نقاش فيها.. !
وقد تجلّى ذلك بكل وضوح في الشعر الحداثي الذي يمتح من المدرسة الغربية كلّ أدواته الفنية بغير تحفظ ولا نقد موضوعي، بخلاف نظرته للفكر والتراث العربي الإسلامي الذي يغربله غربلة ويسلقه بألسنة حداد، وفي ما كتبه أدونيس وأنسي الحاج وأضرابهما خير مثال، ولم تحد الرواية العربية الحديثة عن هذا الطريق، بل وحتى المسرح الذي برع فيه توفيق الحكيم أيما براعة، ولكنه صبّ فيه الأساطير الغربية والشرقية القديمة صبا عنيفا كما يفعل الغربيون حذوك القذة بالقذة، وعندما يأتي اليوم كاتب أصيل ومبدع متشبث بالجذور؛ تشير إليه أصابع الاتهام بأنه رجعي متخلّف يقدّس الماضي والغيبيات.
فالأساطير التي هي في الأصل خرافات لا تقوم على ساق ولا تنهض بدليل، مقبولة مقدّسة لأنها من فيوضات الغرب، وحقائق الغيب التي جاءت بالوحي المرسل (أساطير) في نظرهم اكتتبها المبدع أو تملى عليه بالعشي والإصباح.. ! إنها لعمري قسمة ضيزى.. !
عبد الله لالي