ثقافة

“إسماعيل يبرير” مشروع احتفائي يمنح مساحات عادلة من السرديات الروائية للمكان والتاريخ والإنسان

كاتب مهموم بالسؤال والبحث والتقصّي، يراهن على تحرير الخيال ومن ثمة استنطاق المحيط وأثاثه وكائناته، ساعيا الى تحقيق مشروع احتفائي بالمكان والتاريخ والإنسان، بجعبته عديد المؤلفات التي حازت على أوسمة وطنية عريقة، إلى جانب كونه اكاديميا وصحفيا ضمن توليفة من المعارف التي تمنح مساحات عادلة من السرديات لمساع تحضر لوعي انساني حقيقي، المستشار الثقافي بوزارة الثقافة والفنون “إسماعيل يبرير” يسرد تجربته أيضا بالمعرض الدولي سيلا أثناء توقعيه لكتابه الجديد “مدار الكلب”، ورهانات ثقافية فنية أخرى.

حوار: رقية لحمر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ما الفكرة الكامنة وراء تأليفك مجموعتك القصصية “مدار الكلب” المشارك بمعرض سيلا الدولي؟

 الفكرة الجوهرية في الكتابة هي قراءة المجتمع من الدّاخل والخارج، المجموعة التي أنتمي إليها أتحرّك ضمنها وأتعايش معها، الانتباه إلى السلوكات الإنسانية وتحوّلاتها، وفي الوقت نفسه استنطاق المحيط وأثاثه وكائناته، كيف يعيش الإنسان ومع من وكيف ينظر إلى العالم؟ وهنا يمكنني أن أراهن على تحرير الخيال، فأمنح الحق للكائنات أن تنظر إلى الإنسان وأن تمتلك موقفا منه، الكائنات بالمعنى المطلق أشجار أو حيوانات أو حشرات، وقد تكون موجودات أخرى ابتكرها الإنسان بذكائه كالروبوتات والعوامل الاصطناعية الذكية، فكرة المجموعة القصصية اقرب إلى رحلة في عوالم التخييل مع المحافظة على مسافة القبول والتصديق حتى في اللامعقول، طبعا رهان السرد والبناء والشخوص وجماليات الكتابة مسعى قائم في غضون ذلك، إذ لا أتوقّع أن أفكارا كبيرة يمكن أن تبقى كذلك بأدوات كتابة متواضعة.

جاء في عتبة المجموعة مقولة “ثمّة دائما كلب في الحكاية!” ، هنالك رمزية تطل على ثنائيات عديدة، كيف أمكنك التعامل معها؟

يمكنك اعتبارها عبارة مفتاحية وتذليل لفهم العنوان،  العنوان يبدو قاسيا وجارحا “مدار الكلب”، لكن اذا تحدثنا عن هذه المدارات فهي كثيرة، مثل الشعوب التي تحتفي بالكلاب أحيانا، وهنالك احتفاء بحيوانات كثيرة، اردت ان أقول لكل قصة كلب والذي له تمثلات عديدة في حياتنا فهو رمز للوفاء وللسعار أحيانا ، فحضوره فني رمزي تمثيلي لا غير، فهو في المجموعة كما قلت مفتاح تذليلي.

قدمت عديد الاعمال الروائية، التي حقّقت انتشارا واسعا في الوطن العربي على غرار “مولى الحيرة” و”وصيّة المعتوه” و”باردة كأنثى وغيرها، أي الأشياء مدعاة ليكتب عنها الكاتب في عصرنا الحالي؟

الإنسان، فالإنسان أعلى من التشييئ، ومحاولة فهمه قائمة إلى الأبد، أنا مشغول بهذا الإنسان في محيطه وفضائه وتحوّلاته الاجتماعية والسياسية والثقافية، أحاول أن أقترب منه وأشكّله غبر شخوصي، غير أنّي اشتغلت مليّا بالمكان من خلال ثلاثيّة باردة كأنثى و”وصية المعتوه” و”مولى الحيرة”، وسعيت إلى تحقيق مشروع احتفائي بالمكان الجزائري من جهة وبالسياق التاريخي من جهة أخرى، أحيانا تبدو لي الروايات الثلاث هذه كمشروع منسجم بداية لفهم الكتابة ولتأسيس مقاربة خاصّة، وباقي الروايات التي تلتها إلى غاية الآن بداية لمسعاي الكتابي الذي لم يتحقّق بعد. لكن يبقى الإنسان هو جوهر الأدب.

ما الذي يبقي قدرتك الإبداعية تندفع عندما تكتب؟

الأمر مرتبط بأجواء الكتابة، الكتابة عندي لها طقوسها، وقد تعوّدت منذ سنوات أن أكتب بعيدا في عزلة، رغم أنّي كنت قبلها أكتب في أي مكان في المقهى أو الحافلة أو الصخب العائلي، بخصوص القدرة الإبداعية كما تصفينها، أنا أرى أنّ الأسئلة والمشاهدات اليومية والقراءات بالمفهوم الفعلي عبر الكتب أو بالمفهوم الرمزي عبر استكناه الواقع كلّها محفّزات للذات الكاتبة، ومحرّك قائم لفعل الكتابة، وعلى جوانب النص وفي جوهره يوجد الخطاب الخاص بي، وموقفي من الحياة، وممكنات القول ومضمراته، ويوجد أيضا فهمي للحياة والعالم والآخرين، وقدرتي على منح الآخر مساحات تشكّل عدالة سردية، ربّما هذه أسباب ودوافع لرهانات الكتابة لا ترتبط بي فقط.

من من الشخصيات التي تركت انطباعا مذهلا لديك؟

الشخصيات التي كتبتها “بشير الديلي” في رواية “مولى الحيرة” أحببته فعلا، وصرت أحلم أن التقي به يوما.

عملت على أنواع أدبية كثيرة كما نعلم، ليس الشعر والرواية والقصة، بل تجاوز ذلك الى الركح بأعمال مسرحية متعددة، وأعمال أكاديمية، هل تبدو هذه الاشتغالات فعاليات مختلفة لك، أم أنك تجدها مرتبطة ببعضها البعض بطريقة ما؟

 كلّها هموم معرفية، أنا رجل مهموم بالسؤال والبحث والتقصّي، عملت لسنوات في الصحافة، واشتغلت بالبحث العلمي، وفي غضون ذلك مارست المسرح من التمثيل إلى الكتابة إلى الاخراج هاويا، وكتبت الشّعر منذ الطفولة، المسألة عندي مرتبطة بالمعرفة أكثر من ارتباطها بالبوح وما شابه، الكتابة عندي مسألة صارمة، ربّما في بعض النصوص المبكّرة كنت أجد ذاتي تتجوّل داخل النصوص، لكنّي لاحقا صرت أرى ذوات أخرى، وأجد رؤاي وأفكاري وتصوّري للعالم.

حزت على عديد الجوائز الدولية والوطنية، على الصعيد الشخصي، هل جعلك ذلك تحس بصعوبة المهمة بكتابة نصوص أخرى أكثر دهشة مما مضى، ثم كيف تصف صورة القارئ المحتمل لديك؟

النصوص المتوجّة تسكن الذاكرة كلحظات احتفائية ذاتية، وأنا أرى الجوائز أحداث مهمّة في حياة الكاتب العربي تحديدا، فليس هناك أي فرصة للاحتفاء بنصوصه أو لتقديره خارج الجوائز أو العلاقات الكبيرة التي تتقدّر له في طريق الكتابة، آلة النقد لا تزن كثيرا في وعي المتلقي، وانتشار الكتاب في أي نوع كتابي أدبي لا يتعلّق بالناشر وحده، هناك سلسلة كتاب كاملة تعمل كآلة منسجمة لصناعة الأسماء والترويج لها غير مفعّلة في العالم العربي، فتبقى الاجتهادات الخاصة ما يصنع الفارق.

بخصوص النصوص القادمة ومدى احتكامها للنصوص السابقة، نعم أنا أشعر بأنّ الكتابة أكثر صعوبة ليس كفعل بل كرهان، فبإمكاني تقديم حكايات جميلة كثيرة، لكنها لا تنتسب لي تماما، وهي موجهة إلى نوع من القراء لا تربطني بهم أي علاقات لا في الوعي ولا في الرؤى، لهذا فالأمر لا يتعلّق بالنصوص السابقة، ولا بالقارئ المفترض، بل بالقناعة بأنّ ما أسعى إليه هو فعلا أدب يتطوّر ويستوعب ادعائي الأدبي المتواصل والذي يتأسس على القراءة والملاحظة والتجربة.

  كيف أدركت أنك تريد امتهان الصحافة والكتابة معا إلى جانب كونك أكاديميا؟

الصحافة كانت خيارا مبكرا في الجامعة والعمل، وحتى في حياتي قبل الجامعة كنت مهووسا بالصحف والصحافة وكتبت فيها بعض النصوص المتواضعة، والكتابة هي الخيار الأبكر منذ الطفولة، أمّا البحث والجامعة فهو مسار تحقّق عبر الكتابة والسؤال، وربّما هو مهم من حيث رصد أدوات المعرفة وتحضير وعي حقيقي للمرور إلى الكتابة.

مادذ عن اطباعك حول الطبعة السابعة والعشرون لسيلا، وهل هنالك ميزة ما لهذه السنة؟

الصالون الدولي للكتاب، نموذج متواصل عام للاحتفاء بالقراء، من خلال سعي الجميع للحصول على لحظات المعرفة، أعتقد أن الصالون هو الواجهة الثقافية الكبرى للجزائر، لاعتبارات عدة، فهو فضاء معرفي، فضاء للثقافة، وفضاء لتبادل الإنتاج الثقافي وأيضا لتقديم صورة إيجابية ونموذجية للجمهور الجزائري الذي يمكنه أن يرتقي ذوقا وفعلا وسلوكا.

  شعارك “حتى لا تنتصر البشاعة نحتفي بالأدب والجماليات”، ينتابني شعور أنك ترتب مع كائنك الحبري موعدا مع جمالية أدبية أخرى، هل ذلك ما تنوي فعله حقا؟

طبعا لا أريد أن تنتصر البشاعة وأنا أحتفي بالأدب والجماليات، البشاعة محيطة بنا من كل مكان وهو ليس شعار بل هو مبدأ من مبادئي التي أعمل عليها.

بخصوص الأعمال التي اشتغل عليها، أنا دوما في اشتغال دائم، مهمتي الادب والثقافة، مهمتي الكتابة، وانا مستمر دوما في البحث عن أسئلة وموضوعات وتيمات تتقاطع واهتمامات محيطي وناسي واهلي وانتمائي وهويتي، فالمسألة مرتبطة بالاشتغال اليومي، وفعلا لدي أكثر من مشروع مفتوح قريبا، أفضل أن اترك الأمر الى حوار قادم للحديث عن هذه المشاريع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.