
لا يمكن أن يكون هناك مقياس واحد لتربية الأبناء يقف عنده الآباء ويتخذون منه معيارا لأدائهم اليومي معهم..ولا يمكن بأي حال أن تكون هناك مجموعة قوانين تنظم علاقة الآباء بأبنائهم وكيفيات التعامل، لأنه ببساطة لكل طفل مفاتيحه، فما يصلح لطفل بعينه لا ينطبق على الآخر بالضرورة.. لهذا فإن التكيف مع شخصية الابن وتكييفها ضمن السياق الأسري المتكامل هو ما ينتج لنا في النهاية طفلا سويا..
ويبدو أن بعض الآباء فقدوا السيطرة فيما يخص تأقلم ذواتهم مع هذا “الكائن الصغير” الكبير في متطلباته.. خاصة وأن أبناء اليوم مختلفين تماما عن أبناء الأمس الذي عاشوا وتربوا بعيدا عن المؤثرات المستجدة من هواتف ذكية وحواسيب وتلفزيونات وألعاب إلكترونية وما شابه.. وكانت تربيتهم سهلة مقارنة بمقاييس التربوية في أيامنا هذه..
وفقدان السيطرة ولّد عندهم نوعا من العدائية المفرطة اتجاه “فلذات الكبد” من صراخ وضرب وعقاب لا يتوافق ومخالفاتهم “الهينة” التي يصورها الضغط اليومي على أنها “جرائم كبرى”.. وردود الأفعال هذه يصنفها علماء النفس التربوي على أنها صناعة تحمل الكثير من العيوب المؤثرة سلبا في حياة “جيل الغد” فالأطفال المعنّفَين سيكونون في النهاية رجالا ونساء معنّفِين لتتوالى الأخطاء “المكتسبة” جيلا بعد آخر.. وهذا ما يؤثر في أخلاقيات المجتمع وسلوكيات أفراده، لأن ما يحدث داخل أسوار البيوت والمدارس سرعان ما ينعكس خارجيا لحتمية التأثير والتأثر الحاصل تلقائيا..
قيل قديما “إذا كبر ولدك خاويه”.. وهذه القاعدة التربوية الأصيلة يصفها المتخصصون في قضايا الأسرة والتربويون بالصداقة “السلوكية” حيث يكون هناك حد فاصل بين مفهوم الأبوة والصداقة المتعارف عليه حتى لا يخلط الأبناء بين القرب المفضي إلى الاحترام وإتباع القدوة والالتزام بالنصائح والإرشادات وصرامة التوجيهات وبين “الانفلات السلوكي” الذي يأتي نتيجة خطأ في فهم “تفهم الآباء” وتغاضيهم لصنع جو “تسامحي” تنعدم فيه “الشحنات السلبية” و”التراكمات”.. فالأبناء عادة ما يتمردون على كل ما يضيّق عليهم نطاق الحرية التي يعتبرونها حقا لا يحق لأي أحد ولو كان “الأب” أو “الأم” أن يسلبها منهم من خلال “الخوف الزائد” عنهم أو “الحرص” المربك لهم.. ويعتبرون مجرد تجاوزهم لمرحلة “الطفولة” سببا وجيها لاختيار قراراتهم دون العودة إليهم، ليثبوا أنهم جديرون بذلك..
لكن لا يسعنا أمام هذا الجيل سوى العودة إلى أصول التربية السليمة لأجدادنا و”إذا كبر ولدك خاويه”.. ليجعل منك مرجعية لكل ما يصادفه في هذه الحياة الواسعة وحتى لا تتغلب عليه الرغبة في اتخاذ قرارات أحادية يكون فيه “الفكر الاشتراكي” غائبا لتغيب معه روح ترابط الأسرة وتناغم أفرادها.
سماح خميلي