ثقافة

أيقونة اللغويات والمخطوط الدكتور “عبد الكريم عوفي” يتوشح برنوس “الثقافة والإبداع”

في تكريم خاص به ضمن فعاليات الطبعة الخامسة الصالون الوطني للكتاب بباتنة

توشح أول أمس، أيقونة اللغويات وتحقيق التراث ابن ولاية باتنة الدكتور “عبد الكريم عوفي” برنوس الثقافة والإبداع تكريما له على ما قدمه في المجال العلمي والبحثي كـ”منافح ومفهرس ومنقب عن التراث والمخطوط في الجزائر والوطن العربي والإسلامي”.

جاء هذا التكريم الذي سنه القائمون على معرض الكتاب الوطني وبحضور أفراد من عائلته كعرفان لهذه القامة وتيمنا بعطائه اللامحدود، حيث وصفه الدكتور محمد سماير بأنه “عميد المفهرسين وكبير الباحثين في التراث العربي والإسلامي”، خاصة وأنه صاحب مسيرة ضاجة بالعطاء والتحري والتأطير قلدته كأحد أيقونات مجال المخطوط والتراث واللغويات، حيث أنجز حوالي 55 بحثا ودراسة حول المخطوطات في الجزائر وبعضها يخص ولاية باتنة تحديدا على مدار 40 سنة.

واعتبر الدكتور عبد الكريم عوفي هذا المحفل التكريمي مميزا و”نقلة نوعية في حياته” لما لها من طابع خاص كونه يتم في ولايته ووسط عائلته وأحبته، وعلى هامش معرض الكتاب الذي أفنى عمره منقبا ومحققا عما يؤصله من كنوز مخطوطية، بعد تكريمه في عدة أماكن في السعودية والجزائر.

ودعا الجامعة إلى إعادة أخذ زمام الصدارة والمبادرة للنهوض بالجانب الثقافي وإبراز قاماته وعطائهم العلمي والفكري على غرار ما قام مخبر أبحاث الفكر والتراث في جامعة باتنة1 والذي أسسه المتحد منذ أكثر من 25 سنة والذي ضم 22 باحثا آنذاك ليزيد العدد اليوم عن 50 باحثا برئاسة الدكتور طارق ثابت، مؤكدا أن لباتنة رجال وعلماء منذ القديم تستوجب التعريف بها وبكتاباتهم بإدراج معجم موسوعيا لهم بالشراكة مع الجامعة ومختلف الجمعيات الثقافية، وكذا السعي بالتعريف بالزوايا في المنطقة وإحيائها لبعث دورها التعليمي والتثقيفي، فـ “العلماء والزوايا كانوا يحتفظون بمخطوطات وبتراث فكري لايزال تحت أيدي بعض الناس الذين يجهلون قيمتها وأثرها في المجتمع، التي بحاجة للكشف عنها وإشاعة ثقافة المخطوط للإعلام بها والعمل على الحفاظ عليها ودراستها وفق الطرق الحديثة لتكون في المتناول أيدي الباحثين والدارسين” بما يمكننا من استخلاص تاريخ ثقافتنا وذاكرتنا وكل ما يتعلق بالشؤون الحياتية وفي مختلف العلوم، وهو ما “يسمح للأجيال الحالية والقادمة بالتعرف عليها والإحاطة بها.

وكان الدكتور قد أماط اللثام خلال الندوة التي سبقت تكريمه عن التراث المخطوطي في الأوراس، مبينا أن ولايات الأوراس قد “شهدت نبوغ علماء وأصحاب نتاج علمي ثري بالإضافة إلى ما استنسخوه من عديد الكتب الخاصة بالمشارقة وحتى المغاربة باليد في مناطق مختلفة منها، كان لهم دور كبير في نشر العلوم باعتبارها وسيلة لاكتساب العلم ونقله لطلابه في الكتاتيب والزوايا المنتشرة بها”، محذرا من كون هذه الأخيرة وروادها من علماء المنطقة تتعرض للطمس بالسكوت عنها، وهو ما يجب الانتفاض أمامه بالتعريف بهم وبما تركوه من تراث فكري وعلمي مخطوط تعريفا وفهرسة ورقمنة وحفظا وترميما وتحقيقا دراسة ونشرا ما يجعلنا نمد جسور التواصل بين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وأبرز الدكتور عوفي أهداف مشروع العناية بأعلام الأوراس ومراكزها العلمية وما تحتفظ به من مخطوطات والذي يعمل عليه رفقة الدكتور محمد سماير كخطوة لإنشاء مؤسسة تعنى بالتراث بالمخطوط، من خلال استكمال الجهود المبذولة من قبل المكتبة الوطنية والمركز الوطني للمخطوطات بأدرار في العناية بالتراث المخطوطي في الجزائر، وإشاعة ثقافة المخطوط والعناية به في المجتمع، بالإضافة إلى التعريف بمراكز المخطوطات في الأوراس وبيان دورها العلمي والمعرفي والهوياتي، والعمل على جمع المخطوطات وإحصائها رقميا لتكون في متناول الباحثين، مع العناية بها تعريفا وفهرسة وترميما، وكذا تحقيق المخطوطات النفيسة التي تضيء جوانب المعرفية غير المعروفة لدى الباحثين قبلا، ورسم وإكمال معالم الأطلس الوطني للمخطوطات الجزائرية، والعناية بالجانب المادي للمخطوطات ورصد تمليكاتها، مع إيلاء الأهمية لتوظيف الرقمنة والذكاء الاصطناعي في المجال، والسعي لكتابة تراثنا الثقافي وصونه بتخليد علماء المنطقة والتعريف بهم وبمنجزاتهم، داعيا القائمين على الشأن الثقافي إلى إقامة دورات تدريبية حول المخطوط والاعتناء به بإشراف منه بشكل تطوعي، فيما تحسر لضياع مخطوطات نفيسة من مكتبة مديرية الشؤون الدينية بولاية باتنة والمقدرة بحوالي 70 مخطوطا بحسب الدكتور طارق الذي أبان عن مخافة نسبها في وقت لاحق إلى مناطق أخرى غير باتنة والأوراس.

وعرفت الجلسة البهية أيضا تكريم المتدخلين في الندوة الدكتور محد سماير وكذا الأستاذ سعيد خميلي الذي جاب بالحضور في ثنايا تسمية ولاية باتنة، مثبتا عتاقتها التي تعود لما قبل الاستعمار الفرنسي، وفق ما سرده من مرجعيات على غرار ما جاء على لسان الصنهاجي وابن حاج النميري وكذا الرحالة والأسقف الإنجليزي توماس شو، أين كانت حسبه باتنة واسمها القديم بَاثْنَة مركزا للروم البيزنطيين.

واعتبر الدكتور عبد الكريم “الجزائر من الدول العربية الغنية بالتراث المخطوطي”، حيث كان لعلمائنا أثر متميز في النشاط العلمي عبر العصور المتعاقبة بـ “ارتحالهم لمختلف الحواضر طلبا للعلم ونشره فتكونت في الجزائر مكتبات نتيجة استنساخ الكتب والجلوس إلى العلماء في حلقات العلم في محاضن العلم في مصر والشام والحجاز والعراق والأندلس، لتتحول إلى منطلق للعمل في الغرب الإسلامي والصحراء الكبرى”، وتكتنز هذه المكتبات بحسب المتحدث على أمهات الكتب في شتى فنون العلم والمعرفة، والتي عدت من النفائس، كثير منها بخط مؤلفيها، وتأتي في طليعة هذه المكتبات والخزائن الجزائرية الحبلى بهذه الجواهر العلمية، المكتبة الوطنية الجزائرية والتي تعد أولى المؤسسات المهتمة بالمخطوطات وصيانتها وترميمها وفهرستها ورقمنتها، وتضم حوالي 5آلاف مخطوطة في شتى العلوم والفنون.

ولم يغفل الدكتور عوفي عما تعرضت له المخطوطات الجزائرية من أخطار حجبتها عن الدارسين، بحرق الاستعمار الفرنسي لآلاف المخطوطات ونهب أنفَسها، حيث باتت آلاف هذه المخطوطات الآن محفوظة في متاحف الغرب على غرار فرنسا وإيطاليا وهولندا واسبانيا تركيا وألمانيا، فيما أتت الطبيعة بما سلم من يد المستعمر، جراء عدم حفظها في أماكن ولا بطرق لائقة بها، كالأقبية والأضرحة ولاتزال بعضها على ذات الحال ما يجعلها تتعرض للموت البطيء، خاصة مع جهل مالكي هذه المخطوطات لقيمتها العلمية والحضارية، وحجبها عن المثقفين لاعتقادهم أنها ملك لا يحق للغير الاطلاع عليه والاستفادة منه، وكذا ما يقوم به بعض السماسرة والمهربين ولصوص بسرقة وبيع هذه المخطوطات بأثمان بخسة”.

رحمة. م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.