العمود

أعيدوا العصا؟!

لكل مقام مقال

في جميع مراحل التعليم في الجزائر هناك وسيلة موحدة لتأديب ومعاقبة التلاميذ وكانت محلا لمضرب الأمثال فقيل “العصا لمن عصى”، ولم يكن في جيلنا ومن قبله من الأجيال بصفتنا أبناء المدرسة الأساسية شيء اسمه حقوق التلميذ ومراعاة الحالة النفسية وما شابه مما هو محلا للجدال والنقاش اليوم، فالعملية التعليمية كانت تُدار على نحو لا يمكن للمعلم أن يخطئ مهما كانت تصرفاته مسيئة جسديا ونفسيا للمتعلم ماعدا ما تعلق بالتحرشات والاعتداءات فهذا شأن آخر وهو نادر الحدوث إلى حد كبير، لهذا فعندما قيل “قريني وأنا سيدك” كان على سبيل التهكم في حال تمرد التلميذ وخروجه عن السيطرة وهذه المواقف لم تكن متاحة على مستوى ذهنيات التلاميذ التي بُرمجت لتقدس الأستاذ ولا تتجرأ على عليه بأي حال ومهما كانت الظروف..

ومع مرور الوقت تشبّع التلاميذ بمسمى “الحقوق” خاصة في عهدة وزير التربية السابق “أبو بكر بن بوزيد” الذي صرّح بالقول أنه (ليس على الأستاذ أن يشير للتلميذ ولو بوردة) في تحذير شديد اللهجة أن طرق التدريس التقليدية والبالية والتي خرّجت أجيالا من المعقدين نفسيا قد انتهى وأن التعليم المعاصر يتطلب أساليب معاصرة في التعامل ومتحضرة، وفي هذه الفترة بالذات انتزعت العصا من بين يدي الأستاذ، ما خلق حسبهم نوعا من الاستغلال وتوجيه الأوضاع على حسب أهواء التلاميذ والأولياء وانحدرت المستويات إلى حد التشابك بالأيدي والضرب المتبادل وأصبح الأستاذ يخاف على نفسه من أي ضربة غير محسوبة، وقد سُجلت عديد الاعتداءات التي أوصلت البعض إلى المستشفيات والمحاكم..

وقد اعتقد الكثير أن انتزاع العصا من يد الأستاذ هوى بالتعليم إلى أدنى مستوياته الأخلاقية والتحصيلية، ثم بدأ الأستاذ يستعيد “عصاه” برحيل بن بوزيد وإن بقيت القوانين لصالح التلميذ بأي حال إلا أن التجميد على أرضية الواقع زاد من حدة استعمالها لأغراض تعليمية وتأديبية حسب “تبريرات” الأساتذة، وإن تمادى بعضهم في استعمالها بإحداث إصابات بليغة وصلت إلى حد الإفضاء إلى الموت للأسف..

ورغم أن “العصا” عمليا لم تُتنزع من الأستاذ وإنما تم التحفظ عليها بتعليمات صارمة إلا أن هناك دائما من اعتبر الأسلوب التعليمي الذي خلّفته وزارة بن بوزيد ومن تبعها ساهم في تردي المنظومة بأكملها وأن المشكل الفعلي يكمن في غياب العصا وليس في كثرة المناهج والحجم الساعي ما دامت الظروف نفسها خرّجت عباقرة وإطارات وجيلا محترما من الإطارات والموظفين وغيرهم، لهذا فإن الأصوات التي تردد اليوم أعيدوا العصا للأستاذ وذلك لمواجهة تلاميذ احتكموا للشارع بأسلوب لا يليق بطلاب العلم ومطالبهم تأكدوا أن موقفهم هو الأصح والحال ما نواجهه من انعدام للأخلاق وانتشار غير مسبوق للانحطاط على مستوى المؤسسات التعليمية..

وحتى لا نقع في فخ التطرف لأي رأي أو وجهة نظر وموقف فإن التعليم في الجزائر يجب أن يختار طريقه اليوم قبل الغد وفق إحداثيات متطلبات العصر والمناهج المتفوقة في العالم والحاضر المشوش والمختل لن يُنتج سوى مستقبلا بلا ملامح واضحة أو هوية صامدة في وجه عواصف الاختراق والاستهداف.

سماح خميلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.