العمود

أحســنوا جــوار النعم

لكل مقام مقال

لا يكون حسن جوار النعم إلا بالحفاظ عليها والتوسط في استعمالها واستهلاكها وتسيير أمور الحياة بحكمة ما بين الشدة والرخاء، وعلى الرغم من كثرة الأزمات والمشاكل التي يعاني منها الشعب الجزائري خاصة المتعلقة منها بالاستقرار المادي وضمان أدنى مستويات العيش إلا أننا ما نزال نرصد سلوكيات لا تعكس أبدا سوء الأوضاع وتدهورها بقدر ما تدل على وجود فائض في الحاجة سرعان ما يتم التخلص منه في مكبات النفايات وفي كل مكان صالح لاحتواء ما زاد عنها، حيث يُسجل آلاف الأطنان من المواد الغذائية عبر كامل الحاويات المسخرة في غالبية الأحياء أو بوضعها على جانب الطريق في انتظار رفعها من طرف المصالح المختصة..

فرمي الأطعمة الطازجة والتخلص من الخبز وبقاياه وحتى المواد الاستهلاكية من خضر وفواكه ومواد معلبة هو ما نجده يوميا في المزابل ـ أكرمكم الله ـ ولا يمكن أخذ الظاهرة من جانب كونها دلالة على وجود خلل في كيفية الترشيد الاستهلاكي والنفقة في غير الحاجة والتبذير فقط، وإن كان ما أُشيرَ إليه من أهم ما قد يذهب إليه المحللون والعوام في تحاليلهم ورؤاهم، فهناك جوانب أخرى قد تبدو غائبة عن الأذهان رغم أهميتها والتي تنعكس سلبا على ممارسي الظاهرة أنفسهم وتقلب حياتهم رأسا على عقب ومن ذلك “الإساءة” للنعم بسوء جوارها، وسوء الجوار هو كل سلوك مخالف للدين والأعراف والتقاليد من لفظ وفعل يحول دون إعطائها حقها من الحمد وحسن التعامل معها وتوجيهها وجهتها الصحيحة إضافة إلى أن سوء تقديرها يدل على غياب التكافل الاجتماعي ومساعدة الغير وليس أدل على ذلك كثرة المحتاجين والأسر الفقيرة المعوزة وانتشار مظاهر الفقر في حين أن المكبات والحاويات والأحياء والطرقات مليئة بالغذاء “الصالح للاستهلاك” وحتى الملابس والأفرشة والأحذية والأواني وبدلا من الاستفادة منها من طرف محتاجيها فإنها تُرمى ومع ذلك فهناك من ذوي الحاجة من يتوجه نحو الحاويات ليقتات منها أو يلبس أو يبحث عن شيء ذي قيمة بالنسبة له بشكل مُهين لكرامته وإنسانيته، بينما يُفترض وجود وسائط جمعوية تعمل على إيصال ما هو زائد عن الحاجة لذوي الحاجة وتوضيبه بشكل لائق ورفع الحرج عنهم فلا تذهب هباء..

وهناك أفكار كثيرة يمكن استثمارها أبسطها وضع خزائن في أماكن متفرقة لوضع الأكل فيها والملابس في علب مع العناية الدائمة بها والحفاظ عليها لتكون وُجهة لكل محتاج وحلا لأولئك الذين لا يعرفون كيف يُصرّفون ما تبقى أو زاد، لأن ما نستهين به اليوم من نعم مهدورة سيعود علينا جميعا بالوبال والهلاك والمجاعات ونحن في غفلة عن ذلك.

سماح خميلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.