على الآباء ألا يؤجلوا تربية اليوم إلى الغد، خاصة وأن هناك أفكار رائجة بترك الأطفال يعيشون طفولتهم على سجيتها وكيفما كانت، وللتربية عمر قادم سيتكفلون به مع مرور الأيام والأعوام، لكن ما يحدث أن هذا التأجيل المؤسس على مغالطة (خليه ما زال صغير) هو من صنع لنا في النهاية أجيالا تنتقص إلى التربية والأخلاق والسلوكيات السوية وساهم في غرس قيم ليست ذات قيمة ومفرغة من أساسيات التربية السليمة للطفل..
لا شك في كون كل أب وأم يسعيان من أجل توفير كل وسائل الراحة لأبنائهم ويتطلعان ليكونوا في مقدمة المراتب المشرفة دراسيا وأخلاقيا، لكن الحرص على تقديم الرعاية بدلا من التربية والتوجيه والإحاطة والاحتواء والمتابعة دون كلل وملل هو ما ينقص الأساليب التربوية اليوم، إذ أن كل مطالب الحياة متوفرة ومتطلباتها إلا أنها تفتقر إلى ما هو أهم من مجرد الرعاية، وهو ما تجسد من انتشار غير مسبوق لسوء الأخلاق والهمجية واقتحام عوالم الجريمة والانحراف باكرا وفي مراحل طفولية يعجز الأولياء على مجاراة المشاكل المتلاحقة التي يعانيها أبناؤهم من تعاط للمهلوسات والممنوعات من كلا الجنسين وانتشار العلاقات في سن مبكرة لم نعرفها في غيرهم من الأجيال بالإضافة إلى روح المغامرة والتورط في مغامرات غير محسوبة العواقب كالابتزاز واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي في خلق مجموعات غامضة ذات أهداف انحرافية، فيما ما يزال غالبية الآباء بنظرتهم القاصرة يعتقدون أن أبناءهم في مرحلة عمرية تتسم بالبراءة ولا يعرفون شيئا من الحياة سوى شغفهم بأفلام الكرتون..والحقيقة أن هذا الجيل لن تكون لهم ذاكرة طفولية كما هو حال الأجيال الماضية مرتبطة بقناة تلفزيونية معينة وبشخصيات بطولية بالنسبة لهم كالشخصيات الكرتونية المعروفة والتي ظلت لسنوات مثار اهتمام، فذاكرة هذا الجيل دمرها التيك توك وسلبها اليوتيوب ومسخها الفايس بوك والتويتر وكل المنصات التي تضم الملايين من الأطفال ممن هم دون العاشرة وتعمل على تدجينهم بشتى الوسائل التي لا تخطر على بال بالتعاون مع من يسمون اعتباطا المؤثرين والذين تحولوا بدونية ما يروجون له إلى قدوة لهذا الجيل المحروم من نعمة الطريق الصحيح والتربية وصلة الرحم وروابط الأخوة..
والحاصل أن واجب التربية اليوم محاط بالأشواك وإن لم يكن ناعما في يوم ومحفوفا بمخاطر تزاحمنا زوايا بيوتنا وتعشش في ذاكرة أبنائنا وأخلاقهم، وتسرق منهم العمر وأجمل لحظاته.
سماح خميلي